البعث بين زمان حياته، لا فيمن قارن بعثه أول حياته، وإن كانت تلك الحياة بعد الموت - كما في المقام -، إذ الذي رجع إلى الدنيا معصوما لا يسقط محله علن القلوب بذنبه السابق قبل الموت ولا تتنفر عنه الطبايع، فإن الرجوع إلى الدنيا أشبه بالولادة، لا يقاس أفعاله بعده على أفعاله قبله، لاختلاف الدواعي بالعلم بالعواقب بالموت ومشاهدة الأهوال وجزاء الأعمال.
وأما دليل التناقض: من وجوب اتباع أفعاله المحرمة لكونه الغرض من بعثه، وحرمته لنهيه عنها، فواضح اختصاصه بما بعد البعثة، ومثله: وجوب زجره عنها للنهي عن المنكر وحرمته لكونه إيذاء له، وقد لعن الله من يؤذيه.
وكذا دليل التسلسل: من أن المحوج إليه جواز الخطأ على الأمة في العلم والعمل، فلو جاز الخطأ عليه وجب أن يكون له مرجع آخر، فيدور أو يتسلسل، فإنه مختص بما بعد البعثة، ولا يتوهم إمكان ذلك بأن غايته لزوم ثبوت العصمة في الأخذ والأداء في الأوصياء خاصة، ولذا اقتصر عليه الشهيد في إثبات عصمة الإمام في عقايده والشيخ رحمه الله في غيبته (1)، لإمكان تقريره بوجه يعم الأنبياء بأدنى عناية.
وأما دليل اللطف: من أن بها يتوفر الدواعي من المكلفين على الاقبال عليهم والتوجه إليهم، الذي هو المقصود بالذات من بعثتهم، فهو موقوف على إثبات كونها فيهم قبل الرجعة لطفا، وإن كل ما نراه لطفا واجب على الله تعالى، وكلاهما ممنوع جدا، وعدم شمول ساير ما تمسكوا غني عن البيان، هذا.
مع أن الاتهام في حديث سلمان وإطلاق البغي عليه كظواهر الآيات الدالة على عدم عصمة الأنبياء، ولا يزيد الكلام في الجواب عنه على الكلام في الجواب عنها، هذا ما يقتضيه النظر بالنظر إلى الأدلة المعروفة.
والإنصاف إنه: بعد الرجوع إلى أخبار طينة الأنبياء وكيفية خلقتهم وبدو أمرهم، وعلة صدور الذنب عن المؤمن، من الخلط والامتزاج وتمكن