بجنانه، بل آب عنها ونافر منها.
وإلى هذا أشار أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) وقد سأله أبو عمرو الشامي (1) عن الغزو مع غير الإمام العادل، بقوله: " إن الله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة " (2) ويروى مرفوعا عن النبي (3) (صلى الله عليه وآله).
ونقل أنه كانت في المدينة قنطرة، فعزم رجل مؤمن على بنائها، فسبقه كافر إلى ذلك، فقيل للنبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك، فقال نية المؤمن خير من عمله، يعني من عمل الكافر. كذا قيل في مقام توجيه هذا الخبر.
وأنت خبير بأن عمله هذا لا خير فيه أصلا، لعدم اقترانه بنية القربة، فكيف يقع بينه وبين نية المؤمن وهو خير محض تفضيل، إلا أن يقال: إن عمله هذا يستتبع خيرا له لكن لا استحقاقا وجزاء، حتى يرد فيه إشكال بل تفضلا من الله تعالى من غير اعتبار الثواب، وقد يقع التفضل على كثير من فاعلي البر من غير اعتبار القربة كالكرم، ثم إن الله يوصل إليه جزاء ذلك الخير: إما في الدنيا أو في الآخرة، لكن على وجه لا يحصل له الشعور بذلك.
وقيل: إن النية هي القصد، وذلك واسطة بين العلم والعمل، لأنه إذا لم يعلم بترجيح أمر لم يقصد فعله، وإذا لم يقصد فعله لم يقع، وإذا كان المقصد حصول الكمال من الكامل المطلق ينبغي اشتمال النية على طلب القربة إلى الحق تعالى، إذ هو الكامل المطلق، وإذا كانت كذلك كانت وحدها خيرا من العمل بلا نية وحدها، لأنه بمنزلة الروح والعمل بمنزلة الجسد، وحياة الجسد بالروح لا الروح بالجسد فهي خير منه، لأن الجسد بغير روح لا خير فيه.
وفيه: أن التفضيل يقتضي المشاركة كما مر غير مرة، والعمل بلا نية لا خير فيه لقوله (صلى الله عليه وآله) في الحديث المشهور: " إنما الأعمال بالنيات " (4) حيث يفهم منه أن النية شرط في العمل، وانتفاء الشرط ملزوم انتفاء المشروط، فكيف يكون داخلا