فيكون هو الذي يتولى حسابه، فيعرض عليه عمله، فينظر في صحيفته، فأول ما يرى سيئاته فيتغير لذلك لونه وترتعش فرائصه وتفزع نفسه، ثم يرى حسناته فتقر عينه وتسر نفسه وتفرح روحه، ثم ينظر ما أعطاه الله من الثواب فيشتد فرحه، ثم يقول الله للملائكة: هلموا إلي الصحف التي فيها الأعمال التي لم يعملوها، قال:
فيقرؤونها، فيقولون: وعزتك إنك لتعلم أنا لم نعمل منها شيئا، فيقول: صدقتم نويتموها فكتبناها لكم، ثم يثابون عليها " (1).
فإنه يفهم منه أن من نوى خيرا، أي: قصد إيقاعه، فهو كفاعله وإن لم يفعله، كما أن من دل على الخير فهو كفاعله وإن لم يفعله هو، ولا المدلول عليه.
والسر فيه: أنه لما كان راغبا إليه مشتاقا له مريدا فعله ولم يمكنه ذلك وكان الله عالما بنيته وما في سريرته، أثابه بذلك ما كان يثيبه على فعله، ولا بعد فيه بعد ورود النص، وقد يثبت بالعقل والنقل أن الراضي بفعل المحسن شريك له في إحسانه، والراضي بفعل المسئ شريك له في إساءته من جهة المدح والذم والأجر والإثم.
ويشيد ما قررناه ما في علل الشرائع من قوله (عليه السلام): " إن العبد لينوي من نهاره أن يصلي بالليل، فتغلبه عينه فينام، فيثبت الله له صلاته ويكتب نفسه تسبيحا، ويجعل نومه عليه صدقة " (2).
فإنه يظهر منه أن النية إنما تكون خيرا من العمل، لأنها مع استلزامها ما هو المطلوب من العمل من غير مشقة وكلفة يستلزم صيرورة النفس تسبيحا والنوم صدقة، وعليه فقس سائر النيات، وما يستلزم من الثواب في سائر المواد.
والسر فيه مع ما سبق: أن قصد القبيح كما يكون قبيحا عقلا ونقلا كذلك قصد الحسن يكون حسنا كذلك، فإذا صار ذلك القصد باستمراره واستقراره في الذهن راسخا في النفس ملكة فيها يفيدها هيأة حسنة وحالة مستحسنة تسري منها إلى