ولعل المراد بالقرآن تلاوته والعمل بما فيه من الأوامر والنواهي والأحكام، فيصير بذلك من خصال هذه الأمة، فيكون من أسباب تفضيلهم على سائر الأمم، أو المراد أن مجرد كون القرآن فيهم وكونه كتابهم يوجب تفضيلهم عليهم.
ويحتمل أن يكون المراد بالعلم علم القرآن، فإن فيه علم كل شئ بحيث لا يشذ منه شئ، أو الأعم فيدل على أن هذه الأمة أعلم من سائر الأمم. ويؤيده قوله (صلى الله عليه وآله): " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " (1).
فإن قلت: هذا الحديث يشعر بأن بني إسرائيل كانوا يراعون العاشوراء، ويفعلون فيها البكاء والمرثية والعزاء، لأن موسى (عليه السلام) إنما سأل عن تلك الخصال ليأمرهم بها فيدركوا بذلك ما تدرك أمة محمد (صلى الله عليه وآله) من الثواب والفضل.
قلت: هذه المصيبة لما لم تصبهم في ذلك الوقت فما كان لهم فيها من الأجر كأجرهم، كما يدل عليه قوله تعالى: " ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان بكى أو تباكى " فإن المشار إليه بذلك هو الزمان الحادث بعد حدوث واقعة كربلاء وداهية نينوى، ولذلك قيل: إن عاشوراء اسم إسلامي، أي: ما كان قبل هذه الأمة.
فحاصل الجواب: أن سائر الأمم لا يدركون ما تدركه هذه الأمة من القرآن والعلم والعاشوراء، ولذلك لا ينالون ما نالوا من الفضل والثواب، إذ هو فرع إدراك هذه الخصال، وغير هذه الأمة ما أدركوها لعدم تحققها فيهم كلا وإن تحقق بعضها.
ثم إن قوله تعالى: * (ما من عبد من عبيدي) * يشمل بظاهره المؤالف والمخالف، فيدل على أن البكاء والمرثية عليه (عليه السلام) يوجب الجنة وإن كان الباكي مخالفا بل كافرا.
وهو مشكل، فلا بد: إما من القول بأن المخالف لا يبكي ولا يتباكى عليه، وإما من تقييده بالإيمان، كما لا بد من تقييد قوله: " كانت له الجنة ثابتا فيها " وهذا يدل على جواز وقوع الحال عن المضاف إليه، وهو الضمير المجرور في " له "