وجودها كعدمها، بخلاف العمل فإن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذره شرا يره، فصح أن النية بهذا الاعتبار خير من العمل.
أقول: وفيه نظر، إذ لا نسلم أن طبيعة النية لا يترتب عليها عقاب أصلا، وأنها إذا كانت شرا كان وجودها كعدمها، كيف وقد روي في تتمة الخبر: " إن نية الكافر شر من عمله "؟ ولا ريب أنه معاقب بعمله، فيكون معاقبا بنيته بطريق أولى، لأنها شر من عمله، وقد سبق آنفا أن أهل النار إنما خلدوا فيها بنياتهم.
والسر فيه: ما مر أنه لما كان راغبا إلى الشر مشتاقا له مريدا فعله ولم يمكنه ذلك، وقد تمكنت هذه النية في نفسه وصارت ملكة فيها، وكان الله عالما بنيته وسريرته، جزاه بذلك مثل ما جزاه بفعله، فهما متساويان في العقاب، وأحدهما تلزمه لذة ما فانية دنيوية دون الآخر فهو شر منه.
وقد ذكر بعض الأجلاء (1) من أصحابنا أن قوله تعالى * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) * (2) وقوله: * (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه) * (3) يدلان على العقاب بأفعال القلب ولو بقصد المعصية، وذلك غير بعيد، فإن قصد القبيح قبيح عقلا وشرعا، إلا أنه لا يعاقب عليه العقاب الذي يعاقب عليه بفعله في الخارج، وبه يجمع بين الأدلة بل بين الأقوال. انتهى كلامه طاب منامه.
وفيه تأمل يعرف مما سبق، نعم لا يدخل فيه ما يخفيه الانسان من الوسواس وحديث النفس، لأن ذلك مما ليس في وسعه الخلو منه، ولكن ما قصده وعزم عليه.
ويؤيده قول الرضا (عليه السلام) في جواب المأمون حين سأله عن قوله: * (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) * (4): " لقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت به، لكنه كان معصوما والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه " (5) حيث