سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم (1) " كأن أرواحهم أحضرت دار السلام أحياء، وأرواح غيرهم أخرت إلى البعث. قال: وهذا قول حسن. أو لأنه يشهد ملكوت الله وملكه، الملكوت: عالم الغيب المختص بأرواح النفوس. والملك: عالم الشهادة من المحسوسات الطبيعية. كذا في تعريفات المناوي.
فهذه ستة أوجه في سبب تسمية الشهيد. وقيل: لقيامه بشهادة الحق، في أمر الله، حتى قتل.
وقيل: لأنه يشهد ما أعد الله له من الكرامة بالقتل. أو لأنه شهد المغازي، أو لأنه شهد له بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله، أو لأن عليه شاهدا يشهد بشهادته، وهو دمه.
وهذه خمسة أوجه أخرى، فصار المجموع منها أحد عشر وجها. وما عدا ذلك فمرجوع إلى أحد هؤلاء عند المتأمل الصادق.
قال شيخنا: وقد اختلفوا في اشتقاقه، هل هو من الشهادة، أو من المشاهدة، أو الشهود، أو هو فعيل بمعنى مفعول، أو بمعنى فاعل. وذكروا لكل أوجها. أكثر (2) ذلك محررا مهذبا الشيخ أبو القاسم السهيلي في الروض الأنف بما لا مزيد عليه.
ج: شهداء، وفي الحديث: " أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق (3) من ورق الجنة ".
والاسم: الشهادة وقد سبقت الإشارة إلى الاختلاف فيه قريبا.
واشهد بكذا: أحلف.
قال المصنف في بصائر ذوي التمييز: قولهم شهدت: يقال على ضربين: أحدهما جار مجرى العلم، وبلفظه تقام الشهادة، يقال: أشهد بكذا، ولا يرضى (4) من الشاهد أن يقول: أعلم، بل يحتاج أن يقول أشهد. والثاني يجري مجرى القسم، فيقول: أشهد بالله إن زيدا منطلق. ومنهم من يقول: إن قال أشهد، ولم يقل: بالله، يكون قسما ويجري علمت مجراه في القسم فيجاب بجواب القسم، كقوله:
* ولقد علمت لتأنين عشية * وشاهده مشاهدة: عاينه كشهده.
والمشاهدة: منزلة عالية من منازل السالكين وأهل الاستقامة، وهي مشاهدة معاينة تلبس نعوت القدس، وتخرس ألسنة الإشارات، ومشاهدة جمع تجذب إلى عين اليقين، وليس هذا محل إشاراتها. وامرأة مشهد، بغير هاء: حضر زوجها، وامرأة مغيبة: غاب عنها زوجها، وهذه بالهاء: هكذا حفظ عن العرب، لا على مذهب القياس.
والتشهد في الصلاة، م معروف وهو قراءة: التحيات لله، واشتقاقه من أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وهو تفعل من الشهادة، وهو من الأوضاع الشرعية.
والشاهد: من أسماء النبي، صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل " إنا أرسلناك شاهدا " (5) أي على أمتك بالإبلاغ والرسالة، وقيل مبينا.
وقال تعالى: " وشاهد ومشهود " (6) قال المفسرون: الشاهد: هو النبي صلى الله عليه وسلم. والشاهد: اللسان من قولهم: لفلان شاهد حسن، أي عبارة جميلة.
وقال أبو بكر، في قولهم: ما لفلان رواء (7) ولا شاهد، معناه: ماله منظر ولا لسان.