تاج العروس - الزبيدي - ج ٥ - الصفحة ٣٤٩
نهيتك عن طلابك أم عمرو * بعافية وأنت إذ صحيح أراد: حينئذ، كما تقول: يومئذ. وتكون اسما للزمن الماضي، وحينئذ تكون ظرفا غالبا، كقوله تعالى " فقد نصره الله إذ أخرجه " (1) تكون مفعولا به، كقوله تعالى " واذكروا إذ كنتم قليلا " (2)، وتكون بدلا من المفعول، كقوله تعالى " واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا " (3) قالوا إذ بدل اشتمال من مريم مفعول اذكر. تكون مضافا إليها اسم زمان صالح للاستغناء عنه مثل قولهم يومئذ وليلتئذ أو اسم زمان غير صالح للاستغناء عنه، كقوله تعالى " بعد إذ هديتنا " (4) وتكون اسما للزمن المستقبل كقوله تعالى " يومئذ تحدث أخبارها " (5).
وفي التهذيب: العرب تضع إذ للمستقبل، وإذا للماضي، قال تعالى " ولو ترى إذ فزعوا " (6) معناه إذا يفزعون يوم القيامة، قال الفراء: إنما جاز ذلك لأنه كالواجب، إذ كان لا يشك في مجيئه، والوجه فيه إذا كقوله تعالى " إذا السماء انشقت " (7) تكون للتعليل كقوله تعالى " ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم، أنكم في العذاب مشتركون " (8) وقال ابن جني: طاولت أبا علي رحمه الله في هذا وراجعته عودا على بدء، فكان أكثر ما برد منه في اليد أنه لما كانت الدار الآخرة تلي الدار الدنيا لا فاصل بينهما، إنما هي هذه فهذه، صار ما يقع في الآخرة كأنه واقعق في الدنيا، فلذلك أجري اليوم وهو للآخرة مجرى وقت الظلم، وهو قوله " إذ طلمتم " ووقت الظلم إنما كان في الدنيا، فإن لم تفعل هذا وترتكبه بقي " إذ ظلمتم " غير متعلق بشيء، فيصير ما قاله أبو علي إلى أنه كأنه أبدل إذ ظلمتم من اليوم " أو كرره عليه، كذا في اللسان.
قد تكون للمفاجأة، وهي الواقعة بعدبينا وبينما كقول، الشاعر:
استقدر الله خيرا وارضين به * فبينما العسر إذ دارت مياسير (9) وهو من قصيدة أولها: يا قلب إنك من أسماء مغرور فذكر وهل ينفعنك اليوم تذكير وتفصيل مباحث إذ مبسوط في مغنى اللبيب (10) وشروحه، فراجعها. وهل هو، أي لفظ إذ ظرف زمان، كما ذهب إليه المبرد، أو ظرف مكان، كما ذهب إليه الزجاج واختاره أبو حيان، أو حرف بمعنى المفاجأة، كما ذهب إليه ابن مؤكد، أي زائدق، كما ذهب إليه ابن يعيش ومال إليه الرضي، أقوال أربعة مبسوطة بأدلتها في المطولات، فراجعها. وفي البصائر واللسان: وهو من حثروف الجزاء إلا أنه لا يجازى به إلا مع ما تقول: إذما تأتني آتك، كما تقول: إن تأتني وقتا آتك. قال العباس بن مرداس يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
يا خير من ركب المطي ومن مشى * فوق التراب إذا تعد الأنفس بك أسلم الطاغوت واتبع الهدى * وبك انجلى عنا الظلام الحندس إذ ما أتيت على الرسول فقل له * حقا عليك إذا اطمأن المجلس وفي المحكم: إذ ظرف لما مضى من الزمان، تقول إذ كان كذا، وقوله عز وجل " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة " (11) قال أبو عبيدة: إذ هنا زائدة،

(1) سورة التوبة الآية 40.
(2) سورة الأعراف الآية 87.
(3) سورة مريم الآية 16.
(4) سورة آل عمران الآية 8.
(5) سورة الزلزلة الآية 4.
(6) سورة سبأ الآية 51.
(7) سورة الانشقاق الآية 1.
(8) سورة الزخرف الآية 39.
(9) البيت في كتاب سيبويه 2 / 158 وهو من قصيدة لها قصة انظر عيون الأخبار 2 / 305 وينسب لحريث بن جبلة ونويفع بن لقيط الفقعسي وعتير بن لبيد العذري.
(10) انظر مغني اللبيب طبعة بيروت - دار الفكر، ص 111 وما بعدها.
(11) سورة البقرة الآية 30.
قال ابن هشام في مغني اللبيب: وبعض المعربين يقول في ذلك إنه ظرف ل‍ " اذكر " محذوفا وهذا وهم فاحش، لاقتضائه حينئذ الأمر بالذكر في ذلك الوقت، مع أن الأمر للاستقبال، وذلك الوقت مضى قبل تعلق الخطاب بالمكلفين منا. وإنما المراد ذكر الوقت نفسه لا الذكر فيه.
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 343 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 ... » »»
الفهرست