الفعل أي: من وقت ابتداء يومين، أي اليومين اللذين آخرهما زمان التكلم، أو يومان مبتدئان على حذف خبر المبتدأ وجاز الابتداء بالنكرة لاختصاص (يومان) من حيث المعنى باليومين المتقدمين على وقت التكلم، وإنما استغنى عن التعريف، لأنه من المعلوم أن (منذ) موضوع لتوقيت الزمان الذي آخره وقت التكلم، في جميع استعمالاته، سواء كان ما بعده مفردا، أو جملة، نكرة كان المفرد أو معرفة، وتقدير الثاني: مذ كان يوم الجمعة، أو: مذ يوم الجمعة كائن، أي من وقت كون يوم الجمعة، وجاز أن تجعل لكون يوم الجمعة وقتا على سبيل المجاز، كما يقال: إذا كان يوم الجمعة نادى مناد، وأما المصدر الدال على أحدهما، فتقول في المعنى الأول: منذ نومه، إذا كان وقت التكلم نائما، أي منذ ابتدأ نومه، أو: نومه مبتدئ، وفي المعنى الثاني: مذ خروجه، أي: مذ كان خروجه أو: خروجه كائن، ويجوز أن يكون: مذ أنك قائم في المعنى الأول، ومنذ أن الله خلقني، في الثاني: من هذا، ثم نقول: انهم جوزوا إضافة (منذ) إلى الظروف المذكورة والمصادر، نحو: منذ يومين ومنذ يوم الجمعة ومذ سفره، ومنه قولهم: مذ كم سرت؟ و (كم) سؤال عن الزمان، أي من وقت يومين أي من وقت ابتدائهما، ومن وقت يوم الجمعة ومن وقت سفره، ومن وقت كم من الأيام، أي وقت ابتداء كم منها؟
وإنما جاز ذلك لخروج (إذ) بالتركيب عن كونه واجب الإضافة إلى الجمل، ويجب، مع هذا، مراعاة أصل (منذ) من الضمة، إذ إضافته إلى المفرد عارضة قليلة، كما أبقيت ضمة (حيث) عند إضافته إلى المفرد، ولا فرق، من حيث المعنى، بين جر هذه الظروف ورفعها، أصلا، ولا تصغ إلى ما ترى في بعض الكتب: أن بين الجر والرفع في المعرفة فرقا معنويا نحو: ما رأيته منذ يوم الجمعة، وهو جواز الرؤية في يوم الجمعة مع الجر، وعدمها مع الرفع، فإن ذلك وهم، هذا الذي مر: أصل (منذ)، ثم انهم قد يوقعون بعده نكرة غير محدودة للدلالة