يأت بشيء جديد من الشارع أزيد مما استقل به العقل من مطلوبية الاحتياط إرشادا على حسب ما يقتضيه من المضار، فحينئذ لا بد من النظر في المفسدة المحتملة في الأخذ بالخبر الأقرب إلى مخالفة الواقع بالنسبة إلى صاحبه من أنها تقتضي لزوم الاحتياط أو ندبه، ومن المعلوم أن المفسدة التي يتوهم فيه إنما هي مفسدة الوقوع في خلاف الواقع، لكن لا ريب أنها ليست ملزمة للاحتياط مطلقا، وإلا للزم عدم العمل بالأبعد عن مخالفة الواقع من الخبرين - أيضا - لفرض كونه - أيضا - محتملا للخلاف، بل إنما يلزمه إذا لم يكن المكلف معذورا فيها.
وبعبارة أخرى: إن الملزمة للاحتياط إنما هي مفسدة الهلكة الأخروية، وأما بدونها فالعقل لا يحكم بلزوم الاحتياط، وإن كان يحكم بحسنه، وأخبار التخيير - حيث إنها لا يعارضها الحديث المذكور لفرض كونه إرشاديا - شاملة لمورد الحديث، ومبينة للتخيير في مرحلة الظاهر، فتكون هي محصلة للأمن من الهلكة الأخروية، فلا تكون مخالفة الواقع حينئذ مقتضية للزوم الاحتياط بالأخذ بالأبعد عن مخالفة الواقع من الخبرين.
والعجب من المصنف (قدس سره) أنه كيف غفل عما يبنى عليه - في مسألة البراءة والاحتياط - من كون أخبار الاحتياط للإرشاد حتى الحديث المذكور، حيث إنه ذكره هناك في طي تلك الأخبار، وأخذه دليلا على لزوم الترجيح بالأبعدية عن مخالفة الواقع في المقام، مع أنه يتوقف على كونه أمرا شرعيا حتى يصلح لوروده على أخبار التخيير.
قوله - قدس سره -: (ولا ريب أن المشهور بهذا المعنى ليس قطعيا من جميع الجهات) (1)