لمقدمتين.
إحداهما: ما عرفت سابقا من ظهور الرواية من فرض كون منشأ النزاع بينهما هو الاختلاف في الحكم.
وثانيتهما: أن المتعارف في ذلك الزمان أن كل من يفتي بشيء كان إفتاؤه بنقل الحديث الوارد في الواقعة المسؤول عنها، وكان المستفتى عن شيء إنما يرجع إلى المفتي، لأجل استعلام ما عنده من الحديث في الواقعة المجهولة الحكم.
والمستنتج من هاتين المقدمتين ان فرض السؤال إنما هو في رجوع المتخاصمين إلى الحكمين من حيث كونهما راويين، وكون كل منهما مجتهدا.
ويدل عليه - أيضا - قول السائل (وكلاهما اختلفا في حديثكم) فإنه ظاهر في رجوعهما إليهما من حيث الحديث والرواية، وجعل الفاصل بينهما هي لا رأى الحاكم، فلا يرد حينئذ شيء من الإشكالات المتقدمة، إذ الرواية مما يناسبها التعدد، ويجوز نقل رواية متعارضة لما يرويه الغير أيضا، والراوي أيضا لا يجوز له إلزام الغير الذي له ملكة الاستنباط على ما يراه مما رواه، بل العبرة بنظر الغير في أحكام نفسه.
نعم يقع التعارض على هذا بين هذه الرواية وبين المرفوعة الآتية كما سيأتي التنبيه عليه.
هذا كله مضافا إلى أن إجمال صدر الرواية الشريفة لا يقدح في الاحتجاج بذيلها، الصريح بوجوب الأخذ بالمرجحات المذكورة فيه كما اعترف به (قدس سره) أيضا.
قوله - قدس سره -: (اللهم إلا أن يمنع ذلك، فإن الراوي إذا فرض كونه أفقه... إلى آخره) (1)