نعم ربما يوهن كون الجمع - أولا وبالذات - على طبق القاعدة تحير الصحابة في الخبرين المتعارضين - من حيث كيفية العمل بهما - الداعي لهم إلى السؤال، فإنه لو كان مقتضي القاعدة هو الجمع لكانت تلك القاعدة مركوزة في أذهانهم أيضا، فإنها - على تقدير اعتبارها - متخذة من بناء العرف والعقلاء - وهم منهم - ولم يبق لهم تحير حينئذ، لكونها رافعة له على تقدير اعتبارها.
اللهم إلا أن يدعى أن مورد تحيرهم وسؤالهم إنما هو فيما إذا كان المتعارضان نصين في مؤداهما، بأن يقال: إن مرادهم من قولهم: (يجيئنا خبران أحدهما يأمرنا والآخر ينهانا) إنما هو الخبران النصان في الأمر والنهي، لا مطلق ما يدل عليهما.
لكنه بعيد، فإن الأمر والنهي وإن كان موضوعين لطلب الفعل حتما واقعا، أو لطلب تركه كذلك، إلا أن الظواهر اللفظية مبنية لهما، ويقال لما يكون ظاهرا في طلب الفعل حتما: إنه أمر، ولما يكون ظاهرا في طلب تركه حتما: إنه نهي، فتأمل.
وأبعد من ذلك الاستبعاد كون التصرف في ظاهر الخطاب المقطوع الصدور بالنص الظني الصدور - أو بالأظهر كذلك - الذي لا إشكال عندهم في جوازه على خلاف القاعدة، وكونه لدليل خاص مخرج له عن كلية عدم جواز تقديم الصدور على ظاهر المتيقن الأخذ به، إذ قد عرفت أنه مع ما نحن فيه من باب واحد.
فلو كان مقتضي القاعدة الأولية عدم جواز تقديم الصدور لكان مقتضاها ذلك - أيضا - ثمة، وكان جوازه هناك لأجل دليل وارد عليها، مع أنا نقطع بأنه إنما هو بمقتضى القاعدة الأولوية، لا على خلافها، فحينئذ لا بد من التزام كون مورد التحير في الأسئلة الواقعة في الأخبار العلاجية هو النصان، أو يقال: إن تحيرهم لم يكن لأجل عدم ثبوت قاعدة أولوية الجمع عندهم وارتكاز