تلك الأحكام على شيء واحد اجتماع الضدين في نفسه.
قلنا: إن توسط الإرادة والكراهة أو الرضا مسلم فيما إذا كان الحاكم غير الله - سبحانه وتعالى -، وأما إذا كان هو - سبحانه - فغير معلوم، بل ذهب جمع من محققي المتكلمين إلى أن معنى كونه تعالى مريدا إنما هو علمه بالأصلح بحال العباد، والغرض إنما هو رفع التنافي بين أحكامه.
وعلى تسليم توسطها في حقه تعالى أيضا نقول: إنها وإن كانت مضادة، لكنها كسائر الأمور المضادة إنما يمتنع اجتماع اثنين منها إذا كان موردهما متحدا، وأما مع تعدده وتغايره فلا، ومواردهما (1) في محل الكلام متعددة ومتغايرة، فإن متعلق كل منهما إنما هو العنوان المتضمن له، فمتعلق الإرادة والكراهة بعينه هو متعلق المصلحة والمفسدة، كما أن متعلق كل من الحكمين إنما هو العنوان المتضمن للجهة الداعية إليه، فإن كلا من المصلحة والمفسدة إنما تدعوا إلى إرادة ما تضمنتها أو كراهته وإلى طلبه أو طلب تركه، ونحن لما فرغنا عن تعدد مورد المصلحة والمفسدة في المقام السابق، فلا يرد علينا محذور من جهة اجتماع الإرادة والكراهة بالنسبة إلى المكلف - بالكسر - في هذا المقام.
والحاصل: إن الإرادة والكراهة ناشئتان من المصلحة والمفسدة وتابعتان [لهما]، وكل واحدة ثابتة لعنوان مغاير للعنوان الذي ثبتت له الأخرى، والأمر والنهي ناشئان عن الإرادة والكراهة، فيتعلق كل منهما بما نشأ منها (2)، ويتحد موضوعه معه.
فإن قيل: إن الأحكام لا بد من تعلقها بفعل المكلف الاختياري، فإنها تابعة للحسن والقبح، ومن المعلوم أن المتصف بهما إنما هو فعله الاختياري، وفعله