والله، لو أن النبي (صلى الله عليه وآله) تقدم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها وأوجعها وأفجعها وأكظها وأفظعها وأمرها وأفدحها، فعند الله نحتسب في ما أصابنا وأبلغ بنا إنه عزيز ذو انتقام ".
قال الراوي: فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان - وكان زمنا - فاعتذر إليه صلوات الله عليه بما عنده من زمانة رجليه، فأجابه بقبول معذرته وحسن الظن به وشكر له وترحم على أبيه (1).
نياحة المدينة [476] - 117 - وقال أيضا:
ثم إنه صلوات الله عليه رحل إلى المدينة بأهله وعياله، ونظر إلى منازل قومه ورجاله، فوجد تلك المنازل تنوح بلسان أحوالها، وتبوح بإعلان الدموع وإرسالها، لفقد حماتها ورجالها، وتندب عليهم ندب الثواكل، وتسأل عنهم أهل المناهل، وتهيج أحزانه على مصارع قتلاه، وتنادي لأجلهم: وا ثكلاه، وتقول:
يا قوم، أعينوني على النياحة والعويل، وساعدوني على المصاب الجليل، فإن القوم الذين أندب لفراقهم وأحن إلى كرم أخلاقهم، كانوا سمار ليلي ونهاري، وأنوار ظلمي وأسحاري، وأطناب شرفي وافتخاري، وأسباب قوتي وانتصاري، والخلف من شموسي وأقماري.
كم ليلة شردوا بإكرامهم وحشتي، وشيدوا بإنعامهم حرمتي، وأسمعوني مناجاة أسحارهم وأمتعوني بايداع أسرارهم؟