وكم يوم عمروا ربعي بمحافلهم، وعطروا طبعي بفضائلهم، وأورقوا عودي بماء عهودهم، وأذهبوا نحوسي بنماء سعودهم؟
وكم غرسوا لي من المناقب، وحرسوا محلي من النوائب؟
وكم أصبحت بهم أتشرف على المنازل والقصور، وأميس في ثوب الجذل والسرور؟
وكم أعاشوا في شعابي من أموات الدهور، وكم انتاشوا على أعتابي من رفات المحذور.
فقصدنى فيهم سهم الحمام، وحسدني عليهم حكم الأيام، فأصبحوا غرباء بين الأعداء وغرضا لسهام الاعتداء، وأصبحت المكارم تقطع بقطع أناملهم، والمناقب تشكو لفقد شمائلهم، والمحاسن تزول بزوال أعضائهم، والأحكام تنوح لوحشة أرجائهم.
فيا لله من ورع أريق دمه في تلك الحروب، وكمال نكس علمه بتلك الخطوب.
ولئن عدمت مساعدة أهل المعقول، وخذلني عند المصاب جهل العقول، فإن لي مسعدا من السنن الدارسة والأعلام الطامسة، فإنها تندب كندبي وتجد مثل وجدي وكربي.
فلو سمعتم كيف ينوح عليهم لسان حال الصلوات، ويحن إليهم إنسان الخلوات، وتشتاقهم طوية المكارم، وترتاح إليهم أندية الأكارم، وتبكيهم محاريب المساجد وتناديهم ميازيب الفوائد، لشجاكم سماع تلك الواعية النازلة، وعرفتم تقصيركم في هذه المصيبة الشاملة.
بل، لو رأيتم وجدي وانكساري وخلو مجالسي وآثاري، لرأيتم ما يوجع قلب الصبور ويهيج أحزان الصدور، ولقد شمت بي من كان يحسدني من الديار، وظفرت بي أكف الأخطار.