فيا شوقاه إلى منزل سكنوه، ومنهل أقاموا عنده واستوطنوه، ليتني كنت إنسانا أقيهم حز السيوف، وأدفع عنهم حر الحتوف، وأحول بينهم وبين أهل الشنآن، وأرد عنهم سهام العدوان.
وهلا إذ فاتني شرف تلك المواساة الواجبة، كنت محلا لضم جسومهم الشاحبة، وأهلا لحفظ شمائلهم من البلاء، ومصونا من روعة هذا الهجر والقلاء.
فآه ثم آه، لو كنت مخطا لتلك الأجساد ومحطا لنفوس أولئك الأجواد، لبذلت في حفظها غاية المجهود، ووفيت لها بقديم العهود، وقضيت لها بعض الحقوق الأوائل، ووقيتها جهدي من وقع تلك الجنادل، وخدمتها خدمة العبد المطيع، وبذلت لها جهد المستطيع، وفرشت لتلك الخدود والأوصال فراش الإكرام والإجلال، وكنت أبلغ منيتي من اعتناقها، وأنور ظلمتي بإشراقها.
فيا شوقاه إلى تلك الأماني، ويا قلقاه لغيبة أهلي وسكاني، فكل حنين يقصر عن حنيني، وكل دواء غيرهم لا يشفيني، وها أنا قد لبست لفقدهم أثواب الأحزان، وأنست من بعدهم بجلباب الأشجان، ويئست أن يلم بي التجلد والصبر، وقلت: يا سلوة الأيام موعدك الحشر.
ولقد أحسن ابن قتة رحمة الله عليه، وقد بكى على المنازل المشار إليها، فقال:
مررت على أبيات آل محمد * فلم أرها أمثالها يوم حلت فلا يبعد الله الديار وأهلها * وإن أصبحت منهم برغمي تخلت ألا إن قتلى الطف من آل هاشم * أذلت رقاب المسلمين فذلت وكانوا غياثا ثم أضحوا رزية * لقد عظمت تلك الرزايا وجلت ألم تر أن الشمس أضحت مريضة * لفقد حسين والبلاد اقشعرت فاسلك أيها السامع بهذا المصاب مسلك القدوة من حملة الكتاب.
فقد روى عن مولانا زين العابدين (عليه السلام) - وهو ذو الحلم الذي لا يبلغ الوصف إليه