بالجلوس، فلما جلسنا سألته شيعته عن أمورهم في دينهم وهداياهم، فنظر أبو محمد الحسن (عليه السلام) إلى الغلام فقال: يا بني أجب شيعتك ومواليك، فأجاب كل واحد عما في نفسه وعن حاجته من قبل أن يسأله عنها في أحسن جواب وأوضح برهان حتى حارت عقولنا من غامر علمه وإخباره بالغائبات.
ثم التفت إلي أبي محمد وقال: ما [أجائك] جاؤوك يا سعد؟ قلت: شوقي إلى لقاء مولانا، فقال: المسائل التي أردت أن تسأل عنها؟ قلت: على حالها يا مولاي، قال: سل قرة عيني عما بدا لك وأومأ إلى الغلام، فكان من بعض ما سألته أن قلت له: يا مولاي يا بن رسول الله أخبرني عن تأويل كهيعص؟ قال: هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع الله عليه عبده زكريا ثم قصها على محمد (صلى الله عليه وآله) وذلك أن زكريا (عليه السلام) سأل الله عز وجل أن يعلمه أسماء الخمسة، فهبط عليه جبرئيل (عليه السلام) فعلمه إياها، وكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين، سرى عنه همه وانجلى عنه كربه، وإذا ذكر الحسين (عليه السلام) خنفته الجهرة ووقعت عليه البهرة، فقال ذات يوم: يا إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين (عليه السلام) تدمع عيني وتثور زفرتي، فأنبأه الله عز وجل عن قصته، وقال كهيعص: فكاف اسم كربلاء والهاء هلاك العترة الطاهرة والياء يزيد وهو ظالم الحسين (عليه السلام) والعين عطشه والصاد صبره.
فلما سمع زكريا بذلك لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع الناس من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته: إلهي اتفجع خير جميع خلقك بولده؟ إلهي أتنزل هذه الرزية بفنائه؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟ ثم قال: اللهم ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر واجعله وارثا رضيا يوازي محله مني محل الحسين (عليه السلام) فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم أفجعني به كما تفجع محمدا حبيبك، وكان حمل يحيى ستة