بأصحابه. ثم رجع موضعه فوقف وقال: اللهم! إن العطش قد بلغ مني. قال: فلم يجسر أحد أن يسقيه الماء - ولا قرب منه.
فأقبل ابن الأشعث على أصحابه وقال: ويلكم! إن هذا لهو العار والفشل أن تجزعوا من رجل واحد هذا الجزع، احملوا عليه بأجمعكم حملة واحدة.
فحملوا عليه وحمل عليهم، فقصده من أهل الكوفة رجل يقال له بكير بن حمران الأحمري، فاختلفا بضربتين فضربه بكير ضربة على شفته العليا، وضربه مسلم بن عقيل ضربة فسقط إلى الأرض قتيلا؛ قال: فطعن من وراءه طعنة فسقط إلى الأرض. فأخذ أسيرا ثم أخذ فرسه وسلاحه.
وتقدم رجل من بني سليمان يقال له عبيد الله بن العباس فأخذ عمامته، فجعل يقول: اسقوني شربة من الماء! فقال له مسلم بن عمرو الباهلي: والله لا تذوق الماء يا ابن عقيل أو تذوق الموت! فقال له مسلم بن عقيل: ويلك يا هذا! ما أجفاك وأفظك وأغلظك! أشهد عليك أنك إن كنت من قريش فإنك مصلق، وإن كنت من غير قريش فإنك مدع إلى غير أبيك، من أنت يا عدو الله؟ فقال: أنا من عرف الحق إذ أنكرته، ونصح لإمامه إذ فششته وسمع وأطاع إذ خالفته، وأنا مسلم بن عمرو الباهلي! فقال له مسلم بن عقيل: أنت أولى بالخلود والحميم إذ آثرت طاعة بني سفيان على طاعة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله). ثم قال مسلم بن عقيل (رحمه الله): ويحكم يا أهل الكوفة! اسقوني شربة من ماء! فأتاه غلام لعمرو بن حريث الباهلي بقلة فيها ماء وقدح فيها فناوله القلة، فكلما أراد أن يشرب امتلأ القدح دما، فلم يقدر أن يشرب من كثرة الدم وسقطت ثنيتاه في القدح، فامتنع مسلم بن عقيل (رحمه الله) من شرب الماء قال: وأتى به حتى أدخل على عبيد الله بن زياد... (1).