وبلغ ذلك عبيد الله بن زياد، فأرسل إلى محمد بن الأشعث وقال: سبحان الله يا عبد الله! بعثناك إلى رجل واحد تأتينا به فأثلم في أصحابي ثلمة عظيمة. فأرسل إليه محمد بن الأشعث: أيها الأمير! أما تعلم أنك بعثتني إلى أسد ضرغام، وسيف حسام، في كف بطل همام، من آل خير الأنام.
فأرسل إليه عبيد الله بن زياد: أن أعطه الأمان، فإنك لن تقدر عليه إلا بالأمان.
فجعل محمد بن الأشعث يقول: ويحك يا ابن عقيل! لا تقتل نفسك. لك الأمان!
ومسلم بن عقيل يقول: لا حاجة إلى أمان الغدرة، ثم جعل يقاتلهم وهو يقول:
أقسمت لا أقتل إلا حرا * ولو وجدت الموت كأسا مرا أكره أن أخدع أو اغرا * كل امرئ يوما يلاقي شرا أضربكم ولا أخاف ضرا فناداه محمد بن الأشعث وقال: ويحك يا ابن عقيل! إنك لا تكذب ولا تغر، القوم ليسوا بقاتليك فلا تقتل نفسك، فلم يلتفت مسلم بن عقيل (رحمه الله) إلى كلام ابن الأشعث وجعل يقاتل حتى أثخن بالجراح، وضعف عن القتال، وتكاثروا عليه فجعلوا يرمونه بالنبل والحجارة؛ فقال مسلم: ويلكم! ما لكم ترمونني بالحجارة كما ترمي الكفار! وأنا من أهل بيت الأنبياء الأبرار، ويلكم! أما ترعون حق رسول الله وذريته. قال: ثم حمل عليهم على ضعفه فكسرهم وفرقهم في الدروب، ثم رجع وأسند ظهره إلى باب دار هناك، فرجع القوم إليه فصاح بهم محمد بن الأشعث: ذروه حتى أكلمه بما يريد.
قال: ثم دنا منه ابن الأشعث حتى وقف قبالته وقال: ويلك يا ابن عقيل! لا تقتل نفسك، أنت آمن ودمك في عنقي. فقال له مسلم: أتظن يا ابن الأشعث أني أعطي بيدي وأنا أقدر على القتال! لا والله لا كان ذلك أبدا! ثم حمل عليه حتى ألحقه