مسلم بن عقيل: الحمد لله كفى بالله حكما بيننا وبينكم.
فقال ابن زياد - لعنه الله -: أتظن أن لك من الأمر شيئا؟ فقال مسلم بن عقيل: لا والله ما هو الظن ولكنه اليقين. فقال ابن زياد: قتلني الله إن لم أقتلك! فقال مسلم:
إنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة، والله لو كان معي عشرة ممن أثق بهم وقدرت على شربة من ماء لطال عليك أن تراني في هذا القصر.
ولكن إن كنت عزمت على قتلي ولابد لك من ذلك فأقم إلي رجلا من قريش أوصي إليه بما أريد. فوثب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص فقال: أوص إلي بما تريد يا ابن عقيل!
فقال: أوصيك ونفسي بتقوى الله فإن التقوى فيها الدرك لكل خير، وقد علمت ما بيني وبينك من القرابة، ولي إليك حاجة وقد يجب عليك لقرابتي أن تقضي حاجتي.
قال: فقال ابن زياد: لا يجب يا ابن عمر أن تقضي حاجة ابن عمك، وإن كان مسرفا على نفسه فإنه مقتول لا محالة. فقال عمر بن سعد: قل ما أحببت يا ابن عقيل! فقال مسلم (رحمه الله): حاجتي إليك أن تشتري فرسي وسلاحي من هؤلاء القوم فتبيعه وتقضي عني سبعمائة درهم استدنتها في مصركم، وأن تستوهب جثتي إذا قتلني هذا وتواريني في التراب، وأن تكتب إلى الحسين بن علي أن لا يقدم فينزل به ما نزل بي.
فالتفت عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد فقال: أيها الأمير! إنه يقول كذا وكذا.
فقال ابن زياد: أما ما ذكرت يا ابن عقيل من أمر دينك فإنما هو مالك يقضي به دينك، ولسنا نمنعك أن تصنع فيه ما أحببت؛ وأما جسدك إذا نحن قتلناك فالخيار في ذلك لنا، ولسنا نبالي ما صنع الله بجثتك؛ وأما الحسين فإن لم يردنا لم نرده، وإن أرادنا لم نكف عنه، ولكني أريد أن تخبرني يا ابن عقيل بماذا أتيت إلى هذا البلد؟