وهكذا فإن الإمام (عليه السلام) كان يدرك ما يضمره المأمون في نفسه من نوايا سيئة تجاهه، ويبصر بعلم مسبق أنه لا قاتل له سوى المأمون، ففي حديث إسحاق بن حماد، قال: كان المأمون يعقد مجالس النظر، ويجمع المخالفين لأهل البيت (عليهم السلام) ويكلمهم في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وتفضيله على جميع الصحابة، تقربا إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، وكان الرضا (عليه السلام) يقول لأصحابه الذين يثق بهم: لا تغتروا بقوله، فما يقتلني والله غيره، ولكنه لا بد لي من الصبر حتى يبلغ الكتاب أجله (1).
ولم تقف نوايا السوء في نفس المأمون عند هذه الحدود، بل امتدت إلى محاولة قتل الإمام (عليه السلام) عدة مرات، منها ما رواه أبو الصلت الهروي، قال: كان مولاي علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ذات يوم جالسا في منزله، إذ دخل عليه رسول المأمون.
فقال: أجب أمير المؤمنين. فقام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فقال لي: يا أبا الصلت، إنه لا يدعوني في هذا الوقت إلا لداهية، والله لا يمكنه أن يعمل بي شيئا أكرهه، لكلمات وقعت إلي من جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال: فخرجت معه حتى دخلنا على المأمون. فلما نظر به الرضا (عليه السلام) قرأ دعاء (2)، فلما وقف بين يديه نظر إليه المأمون وقال: يا أبا الحسن، قد أمرنا لك بمائة ألف درهم، واكتب حوائج أهلك، فلما ولى عنه علي بن موسى بن جعفر (عليهم السلام) والمأمون ينظر إليه في قفاه ويقول: أردت وأراد الله، وما أراد الله خير (3).