فضاقت علي الدنيا، وتمنيت أني ما كنت كتبت إليه، ثم بلغني أن الفضل ابن سهل قد تنبه على الأمر، ورجع عن عزمه، وكان حسن العلم بالنجوم، فخفت والله على نفسي، وركبت إليه، فقلت: أتعلم في السماء نجما أسعد من المشتري؟ قال: لا. قلت: أفتعلم أن في الكواكب نجما يكون في حال أسعد منها في شرفها؟ قال: لا.
قلت: فامض العزم على رأيك إذ كنت تعقده، وسعد الفلك في أسعد حالاته، فأمضى الأمر على ذلك، فما علمت أني من أهل الدنيا حتى وقع العقد فزعا من المأمون (1).
وحاصل الخبر أن النوبختي وكان منجما، أراد اختبار ما في نفس المأمون، فكتب إليه: أن أحكام النجوم تدل على أن عقد البيعة للرضا في هذا الوقت لا يتم، وأنها تدل على نكبة المعقود له، فإن كان باطن المأمون كظاهره، ترك عقد البيعة في ذلك الوقت، وأخره إلى وقت يكون أوفق منه، فأجابه المأمون وحذره من أن يرجع ذو الرياستين عن عزمه على إيقاع عقد البيعة في ذلك الوقت، وأنه إذا رجع علم أن ذلك من النوبختي، وأمره بإرجاع الكتاب إليه لئلا يطلع عليه أحد.
ثم بلغه أن الفضل بن سهل تنبه أن الوقت غير صالح لعقد البيعة، لأنه كان عالما بالنجوم، فخاف النوبختي أن ينسب رجوع الفضل بن سهل عن عزمه إليه، فيقتله المأمون، فركب إليه، وأقنعه من طريق النجوم أن الوقت صالح على خلاف الحقيقة، لأنه كان أعرف منه بالنجوم، فلبس الأمر عليه حتى أقنعه.