حتى رأيت ابنه محمد بن علي فأردت أن أعظه فوعظني (1).
فقال له أصحابه: بأي شئ وعظك؟
قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة، فلقيت محمد بن علي (عليهما السلام)، وكان رجلا بدينا وهو متكئ على غلامين له أسودين أو موليين له، فقلت في نفسي، شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا! أشهد لأعظنه، فدنوت منه فسلمت عليه، فسلم على ببهر وقد تصبب عرقا.
فقلت: أصلحك الله، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على مثل هذه الحال في طلب الدنيا! لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال!
قال: فخلى عن الغلامين من يده، ثم تساند وقال: لو جاءني والله الموت وأنا في هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله، أكف بها نفسي عنك وعن الناس، وإنما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله.
فقلت: يرحمك الله، أردت أن أعظك فوعظتني (2).
وهذا عبد الله بن عمر بن الخطاب يسأل عن مسألة، فيعجز عن الإجابة عنها - وكذلك كان أبوه من قبل - فيرشد سائلها إلى الإمام الباقر (عليه السلام) وهو يومذاك صبي يافع يلازم أباه في مسجد جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الذي لم يكن مسجدا وحسب. بل يمكن القول إنه كان مدرسة جامعة يلتقي بها المسلمون ومن مختلف الطبقات والأجناس يتداولون به أمور دينهم ودنياهم، فهو ملتقى