والعقيدة ذاتها عبر طريقين: الأول: وهو الصعيد الفردي، حيث دعا الأفراد المؤمنين بالولاية الشرعية إلى إخفاء الحق من أجل التحرز من الموت. فقال (عليه السلام) لهم: " التقية في كل ضرورة، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به " (1)، و " التقية في كل شئ يضطر اليه ابن آدم، فقد أحله الله له " (2). الثاني: وهو الصعيد الفقهي العام، فقد دعا المؤمنين بالولاية الشرعية، في حالات الشك بصدور الحديث منه بداعي التقية مخافة التلف، إلى مخالفة أحكام العامة أو بتعبير أدق مخالفة الخط الفقهي المداهن للسلطة الأموية الظالمة. كما ورد في " عوالي اللئالي " عن العلامة الحلي مرفوعا إلى زرارة عندما سئل الإمام الباقر (عليه السلام) عند ورود حديثين متعارضين عن أهل البيت (عليهم السلام) فبأيهما يأخذ، فقال (عليه السلام): "... أنظر ما وافق منهما العامة فاتركه، وخذ بما خالف فإن الحق فيما خالفهم... " (3). وهذا الحديث خطير للغاية، لأنه وضع خطا أحمرا فاصلا بين الأحكام الشرعية التي صدرت بسبب التقية مخافة محو أصل الدين وبين الأحكام الشرعية الواقعية التي تصدر من أجل تبيين وظيفة المكلف الشرعية في مقام الامتثال. وعن طريق هذه القاعدة الكلية وهي " مخالفة الخط المداهن للسلطة الظالمة " في القرون الهجرية الثلاثة الأول من عمر الرسالة السماوية، استطاع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من الحفاظ على بيضة العقيدة من التلف، وفي الوقت نفسه الحفاظ على واقعية الأحكام الشرعية من التلاعب والتزوير. وبفضيلة قاعدة " التقية " الشرعية وصلتنا الأحكام الإلزامية الآلهية مصونة من عبث السلاطين بعد أكثر من ثلاثة عشر قرنا على وفاة الإمام الباقر (عليه السلام).
(٢٢)