لجميع المسلمين، على إختلاف توجهاتهم الفكرية والتأريخية. وحتى أن الذين إختطوا لأنفسهم طريقا جديدا بل غريبا عن روح الاسلام في الاستنباط والقياس وساروا على طريق موالاة ومداهنة السلطة الظالمة، استفادوا من فكر الإمام الباقر (عليه السلام) وأحاديثه الشرعية المتصلة بالسند الصحيح بجده رسول الله (صلى الله عليه وآله). ف " سفيان بن عيينة " (ت 198 ه) المشهور بمحدث مكة، و " أبو حنيفة " (ت 951 ه) رائد مدرسة القياس التي حرمها أئمة أهل البيت (عليه السلام)، و " سفيان الثوري " (ت 161 ه)، انتهلوا كلهم من علوم الباقر (عليه السلام) بما ينفع مقاصدهم.
وبكلمة، فإن الإمام (عليه السلام) كان رافدا عظيما للعلم النبوي الشريف وعلوم التفسير وبيان الأحكام. وكان أيضا صمام الأمان لفحص الانحرافات الشرعية وفضحها أمام الملاء بكل ما أوتي من قدرة بالغة في البيان والخطاب التكليفي الملزم للافراد. أما عشاق الولاية وخط الاسلام الأصيل ك " أبان بن تغلب " (ت 141 ه)، و " زرارة بن أعين " (ت 051 ه "، و " محمد بن مسلم " (ت 051 ه) فقد كانوا درعا حصينا لصيانة أحاديث محمد بن علي (عليه السلام) من مطبات التزوير والتلفيق التي كانت السلطة الأموية جاهدة في ممارستها. وقد كان من ثمرات محافظتهم على تراث الإمام (عليه السلام) الفكري، أن وصل إلينا تراث أهل بيت النبوة (عليه السلام) بأمانة عبر الأجيال المتعاقبة. وقد كان الإمام الباقر (عليه السلام) صريحا في إعلان مهمته الشرعية في الحفاظ على الرسالة السماوية من خلال عرض نصوص في توضيح الأحكام والتفسير ونقل الأحاديث النبوية التي حاولت السلطات السياسية تحريفها. فكان له دورا تأريخيا على صعيد ربط زمان النبي (صلى الله عليه وآله) بالأزمان المتعاقبة بجسر من النصوص الشرعية التي تستطيع معالجة جميع مشاكل الحياة الإنسانية على وجه الأرض.
فالإمام (عليه السلام) يخاطب أصحابه بالقول: "... انظروا أمرنا وما جاءكم عنا، فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقا فردوه، وإن اشتبه الأمر