شتى الأساليب البعيدة عن أعراف العقلاء من العرب من أجل الحط من القيمة الشرعية لائمة أهل بيت النبوة، خصوصا أمير المؤمنين ومولى الموحدين علي بن أبي طالب (عليه السلام). فكانت صفين والنهروان والجمل، من أهم الوقائع التي خاض فيها وصي رسول رب العالمين (عليه السلام) معاركه حفاظا على جوهر الدين من الخط الجاهلي الجديد المتلبس بلباس الاسلام. وفي أجواء ذلك الصراع الاجتماعي رأى محمد بن علي (عليه السلام) نور الحياة، ولكن ما أن بلغ أربع سنوات من عمره الشريف حتى عاصر واقعة تجلت فيها أعظم مآسي التاريخ في عمر البشرية المديد، الا وهي واقعة الطف. إلا أن التأثيرات الاجتماعية لتلك الواقعة المأساوية العظيمة لم تزحزحه عن أداء دوره المرسوم له بدقة من قبل السماء. فقد كان عليه أن يؤسس المدرسة الفقهية الاسلامية بكامل أركانها الشرعية، ولا يلتفت إلى الأصوات التي كانت تحثه على الثورة والإطاحة بالحكم الأموي. لأن ذلك التوجه الثوري لم يكن من مهامه الشرعية المصممة له. وهو بذلك المنهج العلمي الرباني حفظ رسالة محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) من الضياع. فقد رافق (عليه السلام) والده الإمام " زين العابدين " (عليه السلام) لمدة (38) سنة، وعاش معه أجواء الانقطاع لله سبحانه وتعالى في الدعاء والمناجاة والتوسل والتضرع.
وخلال مدة إمامته الشرعية المنصوصة خلال (19) عاما رأى جبابرة عصره الذين أذاقوا شيعة أهل بيت النبوة الآلام الجسام، يتهاوون الواحد بعد الآخر كالفراش المبثوث. فما أن هلك الوليد بن عبد الملك - الذي شهد له التأريخ بتمزيق القرآن الكريم - حتى جاء سليمان بن عبد الملك، وما أن هلك سليمان حتى جاء عمر بن عبد العزيز، وما أن هلك عمر حتى جاء يزيد بن عبد الملك، وما أن هلك يزيد حتى جاء هشام بن عبد الملك الذي خطط لقتل الإمام محمد الباقر (عليه السلام) بالسم. فكان له ذلك سنة (411) ه.