فإذا رجل يصوت بي: ارفع إزارك؛ فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك. فقلت: من هذا؟ فقيل: علي بن أبي طالب.
فخرجت أتبعه وهو متوجه إلى سوق الإبل، فلما أتاها وقف، وقال: يا معشر التجار، إياكم واليمين الفاجرة؛ فإنها تنفق السلعة، وتمحق البركة.
ثم مضى حتى أتى إلى التمارين، فإذا جارية تبكي على تمار، فقال: ما لك؟
قالت: إني أمة، أرسلني أهلي أبتاع لهم بدرهم تمرا، فلما أتيتهم به لم يرضوه، فرددته، فأبى أن يقبله! فقال: يا هذا، خذ منها التمر، ورد عليها درهمها. فأبى، فقيل للتمار: هذا علي بن أبي طالب، فقبل التمر، ورد الدرهم على الجارية، وقال: ما عرفتك يا أمير المؤمنين، فاغفر لي. فقال: يا معشر التجار، اتقوا الله، وأحسنوا مبايعتكم، يغفر الله لنا ولكم.
ثم مضى، وأقبلت السماء بالمطر، فدنا إلى حانوت، فأستأذن، فلم يأذن له صاحب الحانوت ودفعه، فقال: يا قنبر، أخرجه إلي، فعلاه بالدرة، ثم قال: ما ضربتك لدفعك إياي، ولكني ضربتك لئلا تدفع مسلما ضعيفا فتكسر بعض أعضائه فيلزمك.
ثم مضى حتى أتى سوق الكرابيس، فإذا هو برجل وسيم، فقال: يا هذا، عندك ثوبان بخمسة دراهم؟ فوثب الرجل فقال: يا أمير المؤمنين، عندي حاجتك. فلما عرفه مضى عنه. فوقف على غلام، فقال: يا غلام، عندك ثوبان بخمسة دراهم؟ قال: نعم عندي، فأخذ ثوبين؛ أحدهما بثلاثة دراهم، والآخر بدرهمين، فقال: يا قنبر، خذ الذي بثلاثة. فقال: أنت أولى به؛ تصعد المنبر، وتخطب الناس. قال: وأنت شاب ولك شرة الشباب، وأنا أستحيي من ربي أن أتفضل عليك؛ سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ألبسوهم مما تلبسون، وأطعموهم