اعتزل عمرو بن العاص ولاية مصر في خلافة عثمان، فكان لا ينساها. بل يريد أن يستردها، ويتولى أمرها مرة ثانية، يدلنا على هذا أن أول ما طلبه من معاوية هي (مصر). ومن هنا يستدل على أمرين:
1 - على أنه كان يحب مصر حبا جما حتى انضم إلى معاوية من أجلها بخلاف ما كنا ننتظر، وتفانى في خدمته ليفوز بأمنيته.
2 - وعلى أنه كان يكره عثمان كراهة شديدة من حين عزله عن ولاية مصر، وكان بينهما من الملاحاة ما ذكرناه.
انضم عمرو إلى معاوية، ولم يكن يستغني هذا عن الاهتداء برأيه والعمل بمشورته، فكان ساعده الأيمن وعضده الأقوى، وقد كان من وراء انضمامه لمعاوية ما قدمناه. وكان معاوية قد قوى بنتيجة التحكيم، وبايعه أهل الشام بالخلافة، فأراد الاستيلاد على مصر، وكانت حالها إذ ذلك مما يضاعف آماله في تحقيق أمنيته في الوصول إلى غايته، أنه كان بمصر قوى قد ساءهم قتل عثمان، فكتب معاوية إلى مسلمة بن مخلد ومعاوية بن حديج (وكانا قد خالفا عليا وناوءا محمد بن أبي بكر عامله على مصر) يقويهما ويمنيهما الأماني الطيبة فكتبا إليه يطلبان المدد، وكانت الفرصة قد سنحت لعمرو بن العاص لاسترداد مصر سنة 38 ه بعد أن غاب عنها زهاء اثنتي عشرة سنة، فجهزه معاوية في ستة آلاف أقبل بهم إلى مصر، حيث انضمت إليه العثمانية، فأقام بهم وكتب إلى محمد بن أبي بكر (أما بعد فتنح عني بدمك يا ابن أبي بكر. فأني لا أحب أن يصيبك مني ظفر، إن الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك، ورفض أمرك، وندموا على اتباعك، فهم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان فاخرج منها فإني لك من الناصحين والسلام).