مكفهرا، وعلى قد أحرز النصر المبين في واقعة الجمل، وعزم على الزحف على الشام لانتزاعها من معاوية، ولم تخف على عمرو أحقية علي بالخلافة بعد عثمان وشجاعته في الطعن والنزال. فهل يتوهم متوهم أن السذاجة قد بلغت بعمرو أن يكون أول من يبايع معاوية، وحالة الأمة السياسية في ذلك الظرف المقلق لم تكن لتخفى عليه؟
والظاهر أن هذه المبايعة التي زعمها المؤرخون ليست إلا تحالفا واتحادا على التعاون، فإن معاوية كان يهمه كثيرا أن تكون مبايعة عمرو له علانية أمام وجوه أهل الشام وغيرهم ممن ينتصرون له، ليكون لهم قدوة في البيعة، وهذا ما لم يقله أحد من المؤرخين فيما وقفنا عليه من كتب التاريخ، فلم يذكروا في أي مكان وقعت بيعة عمرو لمعاوية وأمام أي ملأ من الناس، بل تركوا هذه اليقظة مبهمة غامضة مع أهميتها.
بلغ عليا أن معاوية قد استعد للقتال ومعه أهل الشام، فسار من الكوفة إلى صفين في تسعين ألفا لخمس بقين من شوال سنة 36 ه، وسار معاوية من الشام في خمسة وثمانين ألفا على ما رواه المسعودي، وعسكر في موضع سهل على الفرات، وبات علي وجيشه في البر عطاشا قد حيل بينهم وبين الورود إلى الماء، فقال عمرو بن العاص لمعاوية: إن عليا لا يموت عطشا هو وتسعون ألفا وسيوفهم على عواتقهم فدعهم يشربون ونشرب. فقال معاوية: لا والله أو يموتوا عطشا كما مات عثمان، فقال أحد جند علي.
أيمنعنا القوم ماء الفرات * وفينا الرماح وفينا الجحف وفينا علي له صولة * إذا خوفوه الردى لم يخف ونحن غداة لقينا الزبير * وطلحة خضنا غمار التلف فما بالنا أمس أسد العرين * وما بالنا اليوم شاة النجف