ولما يجد هذا الكتاب نفعا سار عمرو لقتال محمد بن أبي بكر وانتدب كل منهما نحوا من ألفي رجل، فلم يحتمل جند محمد هجمة الجنود الشامية، ولا من مالأهم من جنود مصر، فقتل منهم من قتل وفر الباقون، واختفى محمد بن أبي بكر فخرج معاوية بن حديج يطلبه حتى ظفر به فقتله - ويقال إنه أحرقه بالنار. وقد قال المقريزي إن الموقعة المذكورة كانت في مدينة يقال لها المنشأة (1).
ولما تم لعمرو الانتصار سار في طريق الفسطاط حتى دخلها واستولى عليها، وكان ذلك في صفر سنة 38 ه فأقره معاوية واليا عليها، وأعطاه إياها على أن يعطي عطاء الجند وما بقي فله، واستقرت ولاية مصر لعمرو بن العاص من جديد، وأصبح له القدح المعلى والسلطان المطلق في إدارة شؤون هذه البلاد، فشمر عن ساعد الجد في إصلاح ما أفسدته أيدي أسلافه الذين نقم عليهم المصريين، وتاقوا إلى الخلاص من حكمهم، إلا أن أجل هذه الولاية كان قصيرا وسرعان ما قصفته يد المنون.