فاستحيا أمير المؤمنين (ع) من قول الرجل وترك الجميع، وجعل (ع) يمازح خالدا ويضحك منه. وخالد لما به من ألم الضربة ساكت لا يتكلم، فقال له أمير المؤمنين (ع): ويلك يا خالد ما أطوعك للخائنين الناكثين، أما كان لك يوم الغدير مقنع إذ بدر إليك صاحبك في المسجد، حتى كان منك ما كان؟ فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة: لو كان مما رمته أنت وصاحباك ابن أبي قحافة وابن صهاك شئ لكانا هما أول المقتولين بسيفي هذا وأنت معهما ويفعل الله ما يشاء، ولم يزل يحملك على فساد حالتك عندي، فقد تركت الحق على معرفة وجئتني تجوب مفاوز البسابس لتحملني إلى ابن أبي قحافة أسيرا بعد معرفتك، اني قاتل عمرو بن ود ومرحب وقالع باب خيبر، وأني أستحي منكم ومن قلة عقولكم، أو تزعم أنه قد خفى علي ما تقدم به إليك صاحبك حين استخرجك إلي وأنت تذكره ما كان مني إلى عمرو بن معدي كرب والى اصيد بن سلمة المخزومي، فقالا لك ابن أبي قحافة لا تزال تذكر له ذلك، انما كان ذلك من دعاء النبي " ص " له، وقد ذهب ذلك كله وهو الآن أقل من ذلك، أليس كذلك يا خالد، فلولا ما تقدم به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكان مني لهما ما هما اعلم به منك يا خالد، أين كان ابن أبي قحافة وأنت تخوض معي المنايا في لجج الموت خوضا وقومك بادرون في الانصراف كالنعجة القوراء وكالديك النافش، فاتق الله يا خالد ولا تكن للظالمين خصيما فقال خالد يا أبا الحسن اني اعرف ما تقول وما عدلت العرب والجماهير عنك إلا طلب ذحول آبائهم قديما وتنكل رؤوسهم قريبا، فراغت روغان الثعالب فيما بين الفجاج والدكادك، وصعوبة اخراج ملك من يدك وهربا من سيفك وما دعاهم إلى بيعة أبي بكر إلا استلانة جانبه ولين عريكته، واخذهم الأموال من فوق استحقاقهم، ولقلما اليوم من يميل إلى الحق وأنت قد بعت الدنيا بالآخرة، ولو اجتمعت بأخلاقك إلى أخلاقهم، لما خالفك خالد.
فقال أمير المؤمنين (ع) والله ما أوتي خالد إلا من قبل هذا الخؤون الظلوم المفتن ابن صهاك، فإنه لا يزال يؤلب على القبائل ويفزعهم مني ويؤيسهم من عطاياهم ويذكرهم ما أنساهم الدهر، وسيعلم غب امره إذا فاضت نفسه.