ورد البقيع، فسار إلى الناس النذر وقالوا هذا علي بن أبي طالب أقبل كما ترونه يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف على غابر الآخر، فتلقاه عمر ومن معه من أصحابه، وقالوا له ما لك يا أبا الحسن والله لننبشن قبرها ولنصلين عليها: فضرب علي " ع " يده إلى جوامع ثوبه وهزه ثم ضرب به الأرض وقال: يا بن السوداء اما حقي فقد تركته مخافة ان يرتد الناس عن دينهم، واما قبر فاطمة: فوالذي نفس علي بيده لئن رمت وأصحابك شيئا من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم، فان شئت فاعرض يا عمر، فتلقاه أبو بكر فقال يا أبا الحسن بحق رسول الله وبحق من فوق العرش إلا خليت عنه، فانا غير فاعلين شيئا تكرهه.
قال: فخلا عنه وتفرق الناس ولم يعودوا إلى ذلك.
ويروى: انه لما ماتت فاطمة " ع " احتجب أمير المؤمنين (ع) في منزله عن الناس وصار لا يخرج إلا للصلاة ولزيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاغتمت الشيعة لذلك غما شديدا وقالوا: كيف الرأي؟ وهذا أمير المؤمنين (ع) قد احتجب عنا، وكنا نستفيد من علمه وأخباره وأحاديثه وقد انقطع عنا، فعزم رأيهم على أن يرسلوا إليه عمار بن ياسر، فدعوه وقالوا: إمض إلى سيدنا ومولانا أمير المؤمنين (ع) وعرفه في حقنا، فلعلك تأتينا به.
قال عمار: فمضيت إلى دار سيدي ومولاي أمير المؤمنين (ع) فاستأذنت الدخول عليه؟ فأذن لي فدخلت عليه فوجدته جالسا جلسة الحزين الكئيب والحسن عن يمينه والحسين عن شماله وهو يلتفت إلى الحسين ويبكي، فلما نظرت إلى حاله وحال ولده، لم أملك على نفسي دون ان أخذتني العبرة وبكيت بكاء شديدا، فلما سكن نشيجي قلت سيدي تأذن لي بالكلام؟ قال: تكلم يا أبا اليقظان، قلت: سيدي انكم تأمرون بالصبر على المصيبة، فما هذا الحزن الطويل؟ وان شيعتك لا يقر لهم قرار باحتجابك عنهم.
وقد شق ذلك عليهم.
قال: فالتفت إلي وقال: يا عمار ان العزاء عن مثل من فقدته لعزيز، اني فقدت رسول الله بفقد فاطمة، انها كانت لي عزاء وسلوة، وكانت إذا نطقت ملأت سمعي