وأحضرته فقالت: يا بن عم انه قد نعيت إلي نفسي وانني لأرى ما بي لا أشك إلا انني لاحقة بأبي وأنا أوصيك بأشياء في قلبي، قال لها علي (ع): أوصي بما أحببت يا بنت رسول الله، فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت.
ثم قالت: يا بن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتك؟ فقال (ع) معاذ الله أنت اعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفا من الله من أوبخك غدا بمخالفتي عز علي بمفارقتك وبفقدك، إلا أنه أمر لا بد منه والله جدد علي مصيبة رسول الله (ص) وقد عظمت وفاتك وفقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها، هذه والله مصيبة لا عزاء عنها ورزية لا خلف لها، ثم بكيا جميعا ساعة واحدة، وأخذ عليه السلام رأسها وضمها إلى صدره، ثم قال: أوصني بما شئت فإنك تجديني وفيا كلما أمرتني به واختار امرك إلى أمري.
ثم قالت: جزاك الله عني خير الجزاء، يا بن عم أوصيك أولا ان تتزوج بابنة أختي أمامة، فإنها تكون لولدي مثلي، فان الرجال لا بد لهم من النساء، وان تتخذ لي نعشا، فقد رأيت الملائكة تصوروا صورته؟ فقال: صفيه لي؟ فوصفته فأتخذه لها ثم قالت: وأوصيك ان لا يشهد أحد من هؤلاء الذين ظلموني واخذوا حقي فإنهم أعدائي وأعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا تترك ان يصلي علي أحد منهم ولا من اتباعهم، وادفني في الليل إذا هدئت العيون ونامت الابصار، ثم توفيت عليها السلام فصاحت أهل المدينة صيحة واحدة واجتمعت نساء المهاجرين والأنصار ونساء بني هاشم في دارها فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة تتزعزع من صراخهن وهن يقلن: يا سيدتاه يا بنت رسول الله.
واقبل الناس مثل عرف الفرس إلى علي " ع " وهو جالس والحسن والحسين (ع) بين يديه يبكيان، فبكا الناس لبكائهما، وخرجت أم كلثوم وعليها برقعة وتجر ذيلها، متجللة برداء عليها تسحبها وهي تقول: يا أبتاه يا رسول الله الآن حقا فقدناك فقدا لا لقاء بعده ابدا، واجتمع الناس فجلسوا وهم يرجون وينتظرون ان تخرج الجنازة فيصلون عليها.