والموعظة الحسنة، يكسر الأصنام، وينكث الهام، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، حتى يبزغ الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وطاح وشيط النفاق، وانحلت عقدة الكفر والشقاق، وأعلن بكلمة الاخلاص في نفر من البيض الخماص، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها الله تبارك وتعالى بأبي محمد، بعد اللتيا والتي، وبعد ان منى بهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) أو نجم قرن الشيطان، أو فغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها منها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مقدور إلى ذات الله، مجتهدا في أمر الله، قريبا من رسول الله، سيدا في أولياء الله، مشمرا ناصحا، مجدا كادحا، وأنتم في رفاهية في العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر، وتتوكفون الاخبار، وتنكصون عند النزال وتفرون عند القتال، فلما اختار الله لنبيه (ص) دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهرت فيكم حيكة النفاق، واشمل جلباب الرين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الآفلين وهدر رفيق المبطلين، فحضر في عرصاتكم، واطلع الشيطان رأسه من مغرزه، هاتفا بكم، فألفاكم لدعوته مجيبين، وللعترة فيكم ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا وأحمشكم فألفاكم عصابا، فوسمتم غير إبلكم، ووردتم عبر شربكم، هذا والعهد قريب والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، والرسول لما يقبر، ابتدأتم وزعمتم خوف الفتنة، إلا في الفتنة سقطوا، وان جهنم لمحيطة بالكافرين، وأنتم الأخسرون، فهيهات منكم، وكيف بكم؟ وأنى تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهره، وأحكامه زاهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، قد خلفتموه وراء ظهوركم، أرغبة عنه تدبرون؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلا (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ثم لم تلبثوا إلا ريث ان تسكن نفرتها، ويسلس قيادها، ثم أخذتم تورون وقدتها، وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الحق الجلي، وإهمال سنن النبي الصفي، تشربون حسوا في ارتغاء، وتمشون لأهله وولده في الحمراء والصفراء، ونصبر منكم على مثل حز
(٢٩٦)