على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة فجلست ثم أنت أنة أجهش القوم لها بالبكاء فارتج المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على محمد رسوله أبيها (ص) فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا أعادت كلامها:
الحمد لله لما أنعم وله الشكر على ما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها وتمام منن والاها جم عن الاحصاء عددها ونأى عن الجزاء أمدها وتفاقد عن الادراك أبدها وندبهم لاستزادتها بالشكر لأفضالها واستحمد إلى الخلائق بأجزالها وثنى بالندب إلى أمثالها.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كما جعل الاخلاص تأويلها وضمن القلوب موصولها وأنار في التفكر معقولها الممتنع عن الأبصار رؤيته وعن الألسن صفته وعن الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شئ كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، وكونها بقدرته، وذرأها بمشيته من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها إلا تثبيتا لحكمته وتنبيها على طاعته، واظهارا لقدرته، وتعبدا لبريته، واعزاز لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، زيادة لعباده عن نقمته، وحياشة لهم إلى جنته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اختاره وانتجبه قبل أن أرسله وسماه قبل ان اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبسر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علما من الله تعالى بمسائل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور، ابتعثه الله إتماما لأمره وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير حتمه، فرأى الأمم فرقا في أديانها، وعكفا على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله تعالى بأبي محمد (ص) ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلى عن الأبصار عماها، وأقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الصراط المستقيم، ثم قبضه إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار، فمحمد صلى الله عليه وآله عن تعب هذه الدار في راحة، قد حف به الملائك الأبرار، ورضوان الرب الغفار،