علي " ع " نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار وحوله بنوه الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية، فصاح بولده محمد وكانت الراية بيده إقدم بها حتى ركزها في عين الجمل ولا تقفن دونه، فتقدم محمد فرشقته السهام! فقال محمد لأصحابه رويدا حتى تنفذ سهامهم فلم تبق إلا رشقة أو رشقات، فأنفذ علي " ع " إليه يستحثه ويأمره بالمناجزة، فلما أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن وقال له: إقدم لا أم لك.
فكان محمد بعد أمير المؤمنين " ع " إذا ذكر ذلك يبكي ويقول: كأني أجد ريح نفسه في قفاي والله لا أنسى ذلك أبدا.
ثم أدركت عليا رقة الوالد على ولده فتناول منه الراية بيده اليسرى وذو الفقار مشهور في يمناه، ثم حمل فغاص في عسكر الجمل، ثم رجع وقد انحنى سيفه فأقامه بركبته. فقال له أصحابه وبنوه والأشتر وعمار: نحن نكفيك يا أمير المؤمنين فلم يجب أحدا منهم ولا رد إليهم بصره. وظل يتحفظ ويزئر زئير الأسد حتى فرق من حوله وإنه لطامح ببصره نحو عسكر الجمل لا يبصر من حوله، ثم دفع الراية إلى محمد ثم حمل حملة ثانية وكبر تكبيرات فدخل وسطهم وضربهم بالسيف قدما قدما، والرجال تفر من بين يديه وتنحاز عنه يمنة ويسرة حتى خضب الأرض بدماء القتلى، ثم رجع وقد انحنى سيفه فاعصوصب به أصحابه وناشدوه الله في نفسه والإسلام وقالوا إنك إن عضبت يذهب الدين فامسك ونحن نكفيك، فقال: والله ما أريد بما ترون إلا وجه الله والدار الآخرة.
ثم قال لمحمد: هكذا تصنع يا ابن الحنفية، فقال الناس: من ذا الذي يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين.
قال: فاستدار الجمل كما تدور الرحى وتكاثف الرجال إلى حوله واشتد رغائه وزحام الناس عليه فنادى الحتات المجاشعي أيها الناس أمكم أمكم.
واختلط الناس فضرب بعضهم بعضا وتقصد أهل الكوفة قصد الجمل وكان دونه ناس كالجبال كلما حف قوم جاء أضعافهم فنادى علي " ع ": فرشقوا الجمل بالنبل،