فمضوا حتى انتهوا إلى حصن ابن الأشرف. وفي الصحيح: فقال محمد بن مسلمة - وفي كتب المغازي أبو نائلة - لأصحابه: (إذا ما رأكم كعب فاني قائل بشعره فاسمه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه).
فهتف أبو نائلة، وكان ابن الأشرف حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفة، فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: (انك امرؤ محارب وان أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة).
فقال: (انه ميعاد علي وانما هو أخي أبو نائلة لو وجدني نائما لما أيقظني). فقالت: (والله اني لأعرف في صوته الشر). فكلمهم من فوق البيت. وفي رواية: (أسمع صوتا كأنه يقط ر منه الدم).
قال: فقال لها كعب: (ان الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب). ثم نزل إليهم متوشحا بملحفة وهو ينفح منه ريح الطيب. فجاءهم ثم جلس فتحدث معهم ساعة حتى انبسط إليهم.
فقالوا: (هل لك يا ابن الأشرف ان نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث فيه بقية ليلتنا هذه؟) فقال: (ان شئتم). فخرجوا يتماشون فمشوا ساعة. فقال أبو نائلة: (نجد منك ريح الطيب).
قال: (نعم تحتي فلانة من أعطر نساء العرب). قال: (أفتأذن لي أن أشم (رأسك)؟) قال: نعم.
فأدخل أبو نائلة يده في رأس كعب ثم شم يده فقال: (ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط).
وانما كان كعب يدهن بالمسك الفتيت بالماء والعنبر حتى يتلبد في صدغيه وكان جعدا جميلا. ثم مشى أبو نائلة ساعة ثم عاد لمثلها (حتى اطمأن إليه وسلسلت يده في شعره) فأخذ بقرون رأسه وقال لأصحابه: (اضربوا عدو الله). فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا ورد بعضها بعضا. ولصق أبو نائلة. قال محمد بن سلمة: (فذكرت مغولا كان في سيفي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئا، فأخذته وقد صاح عدو الله عند أول ضربة صيحة لم يبق حولنا حصن من حصون يهود الا أوقدت عليه نار). قال: (فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو الله).
وعند ابن سعد: فطعنه أبو عبس في خاصرته وعلاه محمد بن مسلمة (بالسيف) وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ فجرح في رجله، أصابه بعض أسياف القوم. فلما فرغوا حزوا رأس كعب ثم خرجوا يتسترون، وهم يخافون من يهود، الأرصاد حتى سلكوا على بني أمية بن زيد، ثم على قريظة، وان نيرانهم في الحصون لعالية، ثم على بعاث، حتى إذا كانوا بحرة العريض تخلف الحارث فأبطأ عليهم فناداهم: (اقرأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام). فعطفوا عليه فاحتملوه حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما بلغوا بقيع الفرقد كبروا.
وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرهم بالبقيع