رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهم يرصدون عيرا لقريش، وظاهر هذا الحديث ان هذه السرية كانت قبل الهدنة بالحديبية، فإنه من حين صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا لم يكن ليرصد لهم عيرا بل كان زمن أمن وهدنة إلى حين الفتح. ويبعد أن تكون سرية الخبط على هذا الوجه اتفقت مر تين مرة قبل الصلح ومرة بعده. قلت وسيأتي في الثالث من كلام الحافظ ما يروي الغليل.
الثاني: قال في الهدي: قول من قال إنها كانت في رجب وهم غير محفوظ، إذ لم يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه غزا في الشهر الحرام ولا أغار فيه ولا بعث فيه سرية، وقد عير المشركون المسلمين بقتالهم في أول رجب في قصة العلاء بن الحضرمي، وقالوا: استحل محمد الشهر الحرام، وأنزل الله تعالى في ذلك: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله) (البقرة 217) ولم يثبت نسخ هذا بنص يجب المصير إليه ولا أجمعت الأمة على نسخه. قال (البرهان) في النور: وهو كلام حسن مليح لكنه على ما اختاره من عدم نسخ القتال في الشهر الحرام وسلفه عطاء وأهل الظاهر وشيخه أبي ا لعباس بن تيمية وهو خلاف ما عليه المعظم. وقوله في قصة العلاء بن الحضرمي صوابه عمرو بن الحضرمي أخو العلاء، والعلاء ليس صاحب هذه السرية بل صاحبها وأميرها عبد الله بن جحش.
الثالث: قال في الفتح: لا يغاير ما في الصحيح ان هذه السرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم لترصد عيرا لقريش، وما ذكره ابن سعد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهم لحي من جهينة وان ذلك كان في شهر رجب لامكان الجمع بين كونهم يتلقون عيرا لقريش ويقصدون حيا من جهينة، ويقوي هذا الجمع ما عند مسلم من طريق عبيد الله بن مقسم عن جابر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا إلى أرض جهينة، فذكر القصة. لكن تلقي عير قريش ما يتصور ان يكون في الوقت الذي ذكره ابن سعد في رجب سنة ثمان لانهم حينئذ كانوا في الهدنة بل قتضي ما في الصحيح أن تكون هذه السرية في سنة ست، أو قبلها قبل الهدنة يحتمل ان يكون لقيهم العير ليس لمحاربتهم بل لحفظهم من جهينة. ولهذا لم يقع في شئ من طرق الخبر انهم قاتلوا أحدا بل أنهم أقاموا نصف شهر وأكثر في مكان واحد والله تعالى أعلم.
الرابع: وقع في رواية أبي حمزة الخولاني عن جابر عن ابن أبي عاصم في كتاب الأطعمة ان أمير هذه السرية قيس بن سعد بن عبادة. قال الحافظ: والمحفوظ ما اتفقت عليه روايات الصحيحين انه أبو عبيدة بن الجراح. وكان أحد الرواة ظن من صنيع قيس بن سعد في تلك الغزاة ما صنع من نحر الإبل التي نحرها انه كان أمير السرية وليس كذلك.
الخامس: ظاهر قول جابر: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا فخرجنا وكنا ببعض الطريق فني