شهق ثم قال: " ألا كفن؟ " فقام رجل من الأنصار فرمى بثوبه عليه، ثم قام آخر فرمى بثوبه عليه، فقال: " يا جابر هذا الثوب لأبيك وهذا لعمي "، وقال صلى الله عليه وسلم: " رحمة الله عليك، فإنك كنت كما علمتك، فعولا للخيرات، وصولا للرحم، لولا أن تحزن صفية - وفي لفظ: نساؤنا، وفي لفظ: لولا حزن من بعدي عليك، وتكون سبة من بعدي - لتركته، حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطير "، ثم قال: " أبشروا، جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السماوات السبع: حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ". وقال: " لئن ظفرني الله تعالى على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بسبعين منهم مكانك "، فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيظه على من فعل بعمه ما فعل، قالوا: والله لئن ظفرنا الله تعالى بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب، قال أبو هريرة، كما رواه ابن سعد والبزار وابن المنذر والبيهقي: فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم سورة النحل (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) [النحل 126] فكفر النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه، وأمسك عن الذي أراد وصبر (1).
وروى ابن المنذر والطبراني والبيهقي نحوه عن ابن عباس.
وروى الترمذي وحسنه، وعبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند، والنسائي، وابن المنذر، وابن خزيمة في فرائده، وابن حبان والضياء في صحيحهما عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا. ومن المهاجرين ستة، منهم حمزة، فمثلوا به، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم، فلما كان فتح مكة أنزل الله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نصبر ولا نعاقب، كفوا عن القوم إلا أربعة " (2).
وروى ابن إسحاق وابن جرير عن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة النحل كلها بمكة إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة بعد أحد، حيث قتل حمزة ومثل به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط، فأنزل الله تعالى: (وإن عاقبتم) إلى آخر السورة (3).