حومتهم، فما أفلت منهم رجل حتى قتل، ولقد ضاربهم قيس حتى قتل نفرا، فما قتلوه إلا بالرماح، نظموه، ووجد به أربع عشرة طعنة، قد جافته، وعشر ضربات في بدنه.
ونادى الحباب بن المنذر: يا آل سلمة، فأقبلوا عليه عنقا واحدا: لبيك داعي الله.
كان عباس بن عبادة بن نضلة - بالنون والضاد المعجمة - وخارجة بن زيد، وأوس ابن أرقم، يرفعون أصواتهم، فيقول عباس: يا معشر المسلمين: الله ونبيكم، هذا الذي أصابكم بمعصية نبيكم، فوعدكم النصر ما صبرتم، ثم نزع مغفره وخلع درعه، وقال لخارجة بن زيد:
هل لك فيها؟ قال: لا، أنا أريد الذي تريد، فخالطوا القوم جميعا، وعباس يقول: ما عذرنا عند ربنا إن أصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنا عين تطرف؟ فيقول خارجة: لا عذر لنا عند ربنا ولا حجة. فقتل سفيان بن عبد شمس عباسا، وأخذت خارجة بن زيد الرماح فجرح بضعة عشر جرحا، وأجهز عليه صفوان بن أمية - وأسلم صفوان بعد ذلك - وقتل أوس بن أرقم رضي الله عنه.
ومر مالك بن الدخشم على خارجة بن زيد [بن أبي زهير] وهو قاعد في حشوته وبه ثلاثة عشر جرحا كلها خلصت إلى مقتل، فقال: أما علمت أن محمدا قد قتل؟ فقال خارجة:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فإن الله حي لا يموت، فقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربه، فقاتل عن دينك!.
ومر على سعد بن الربيع وبه اثنتا عشرة جراحة كلها قد خلص إلى مقتل، فقال:
أعلمت أن محمدا قد قتل؟ فقال سعد: أشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد بلغ رسالة ربه، فقاتل عن دينك، فإن الله تعالى حي لا يموت! قالوا: وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن انهزم المسلمون وقول الناس: قتل رسول الله - كما ذكر الزهري - كعب بن مالك، قال: رأيت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تزهران من تحت المغفر، فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إلي أن اسكت، ودعا بلامة كعب، وكانت صفراء أو بعضها، فلبسها ونزع لامته فلبسها كعب، وقاتل كعب حتى جرح سبع عشرة جراحة، لشدة قتاله.
وروى الطبراني بسند رجاله ثقات، عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد وصرنا إلى الشعب كنت أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت:
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إلي بيده أن اسكت، ثم ألبسني لامته ولبس لامتي، فلقد ضربت حتى جرحت عشرين جراحة - أو قال: بضع وعشرين جراحة - كل من يضربني يحسبني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلوا عليه. ولما رأوه سالما