فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم، فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره فأعلن الصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتتن أبناؤنا ونساؤنا فانهه، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد عليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان.
قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة إلى أبى بكر فقال: قد علمت الذي قد عاقدتك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترد إلى ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أنى أخفرت في رجل عقدت له.
فقال أبو بكر: فإني أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل.
ثم ذكر تمام الحديث في هجرة أبى بكر رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي مبسوطا.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، قال: لقيه، يعنى أبا بكر الصديق حين خرج من جوار ابن الدغنة، سفيه من سفهاء قريش، وهو عامد إلى الكعبة، فحثا على رأسه ترابا، فمر بأبي بكر الوليد ابن المغيرة أو العاص بن وائل، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: ألا ترى ما يصنع هذا السفيه؟! فقال: أنت فعلت ذلك بنفسك. وهو يقول: أي رب ما أحلمك، أي رب ما أحلمك، أي رب ما أحلمك!
فصل كل هذه القصص ذكرها ابن إسحاق معترضا بها بين تعاقد قريش على بني هاشم وبني المطلب، وكتابتهم عليهم الصحيفة الظالمة وحصرهم إياهم في الشعب، وبين نقض