رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية.
فلما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد (1) لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة (2)، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟
فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربى.
فقال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج مثله، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلدك.
فرجع، وارتحل معه ابن الدغنة، وطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟!
فلم يكذب قريش بجوار ابن الدغنة، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره ويصل فيها، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا.
فقال ابن الدغنة ذلك لأبي بكر.
فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره.
ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وكان يصلى فيه ويقرأ القرآن.
فيتقذف (1) نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينه إذا قرأ القرآن.