حتى ملأه، فسقاها وسقى أصحابه فشربوا عللا بعد نهل، حتى إذا رووا شرب آخرهم وقال: ساقى القوم آخرهم. ثم حلب فيه ثانيا عودا على بدء، فغادره عندها.
ثم ارتحلوا.
قال: فقل ما لبث ان جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزلا لا نقي بهن (1) مخهن قليل، فلما رأى اللبن عجب وقال: من أين هذا اللبن يا أم معبد، ولا حلوبة في البيت والشاء عازب؟!
فقالت: لا والله إنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت.
فقال: صفيه لي، فوالله إني لأراه صاحب قريش الذي تطلب.
فقالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة حسن الخلق مليح الوجه لم تعبه ثجلة (2) ولم تزر به صعلة (2)، قسيم وسيم، في عينيه دعج، وفى أشفاره وطف (3)، وفى صوته صحل، أحول أكحل أزج أقرن في عنقه سطع (4) وفى لحيته كثاثة، إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء، حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم ينحدرن، أبهى الناس وأجمله من بعيد، وأحسنه من قريب، ربعة لا تشنأه (5) عين من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدا، له رفقاء يحفون به، إن قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا لامره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند.
فقال - يعنى بعلها -: هذا والله صاحب قريش الذي تطلب، ولو صادفته لالتمست أن أصحبه، ولأجهدن إن وجدت إلى ذلك سبيلا.