سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجلس إليهم فقال: " هل لكم في خير مما جئتم له "؟ قال قالوا: وما ذاك؟
قال: أنا رسول الله إلى العباد، أدعوهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، وأنزل على الكتاب. ثم ذكر لهم الاسلام وتلا عليهم القرآن.
قال: فقال إياس بن معاذ، وكان غلاما حدثا: يا قوم هذا والله خير مما جئتم له.
فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنة من تراب البطحاء فضرب بها وجه إياس بن معاذ وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا.
قال: فصمت إياس، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وانصرفوا إلى المدينة وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج.
قال ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك.
قال محمود بن لبيد: فأخبرني من حضرني من قومه أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات، فما كانوا يشكون أنه قد مات مسلما، لقد كان استشعر الاسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع.
قلت: كان يوم بعاث، وبعاث موضع بالمدينة، كانت فيه وقعة عظيمة قتل فيها خلق من أشراف الأوس والخزرج وكبرائهم، ولم يبق من شيوخهم إلا القليل.
وقد روى البخاري في صحيحه، عن عبيد بن إسماعيل، عن أبي أمامة، عن هشام، عن أبيه عن عائشة قالت: كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد افترق ملؤهم وقتل سراتهم.