يرضى لنفسه بما ترضاه لنفسك! إنك قد أقمت في مثل هذه القرية في غير كثرة من عدد ولا كثيف من جمع ولا إمارة ولا منعة وأنت أنت. قال: فتبسم محمد بن الأشعث ثم قال: يا بني! إني قد علمت أنك لم تأتني ولم تعرضي علي هذا الرأي إلا خوفا من المختار.
قال: ثم أقبل محمد بن الأشعث على من عنده أصحابه وقال: إن ابني هذا له نخل بالكوفة على شاطئ الفرات، وإنما يريد أن أكون أنا مقيما بالكوفة حتى يأمن هو في نخله وماله وأنا فلست أبالي بذلك النخل كان أم لم يكن، قال: فلم يزل عبد الرحمن يلين لأبيه في الكلام ويخوفه مرة ويرغبه أخرى حتى أجابه إلى ما أراد. قال: ثم خرج محمد بن الأشعث من تكريت في جماعة من أصحابه وبني عمه حتى قدم الكوفة، ثم دخل على المختار فسلم عليه بالإمارة وقال: أيها الأمير!
الحمد لله الذي نصرك، وأعزك وأظهرك، وبعدوك أظفرك، إذ أنجز دعوتك، وأعلى رتبتك، ورفع منزلتك، فإنك دعوت دعوة هدى وأنجيتنا من الضلالة والعمى، قال: فقال له المختار: أبا عبد الرحمن! إن الذي غضبنا له هو نصرنا، وبعدوه أظفرنا، وإن لربنا تعالى جندا لا يغلب، وملكا لا يسلب، وليس من يوم يأتي بعد يوم إلا والله تعالى معز فيه للمؤمنين مذل فيه للكافرين، حتى يعود الدين كما بدأ. ثم أدناه المختار وأجلسه معه على سريره، ووعده ومناه وأمر له بجائزة سنية، وصرفه إلى منزله.
قال: وجعل المختار يجلس للناس في كل غدوة وعشية فيقضي بين الخصمين، فإذا عاقه عائق أمر شريحا القاضي أن يجلس فيقضي بين الناس (1).
قال: وأحبه الناس حبا شديدا، ودر له جلب البلاد، وحمل إليه الخراج من جميع عماله. قال: ثم أرسل إلى وجوه أصحابه وثقاته، فجمعهم عنده ثم قال: اعلموا أنه ليس يسوغ لي الطعام ولا أحب أن أروى من الماء وقتلة الحسين بن علي أحياء يمشون في هذه الدنيا! وقد استوسق لي الأمر وأطاعني الناس، ولست بالناصر لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم إن لم أطلب بدمائهم، وأقتل من قتلهم، وأذل من جهل حقهم! ولكن سموهم لي فعلي أن أطهر الأرض منهم.