كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج ٦ - الصفحة ٢١٤
والجهاد سنام العمل، وقد علمتم أن للدنيا تجارا وللآخرة تجارا (1)، فأما تاجر الدنيا فإنه مكب عليها راتع فيها، لا يبتغي بها بدلا، وأما تاجر الآخرة فإنه ساع لثوابها لا يشتري بها ثمنا قليلا، ويؤمل منها ثوابا جزيلا، يظل قائما وقاعدا، ويبيت راكعا وساجدا، لا يطلب فضة ولا ذهبا، ولا وفرا ولا نسبا، ثم قال: أيها الناس! إنا مدلجون الليل من منزلنا إن شاء الله تعالى ولا قوة إلا بالله.
قال: ثم أدلج سليمان بالناس ليلة الجمعة من شهر ربيع الآخر لخمس مضين منه (2) حتى نزل على شاطئ الفرات بموضع يقال له أقساس (3) من بني مالك، ثم إنه عرض الناس هنالك فإذا به قد نقص منهم ألف ومائة رجل - زيادة أو نقصانا، فقال سليمان بن صرد: والله ما أحب من تخلف عنكم أن يكون معكم، لأنهم لو كانوا معكم ما زادوكم إلا خبالا، فاحمدوا الله على رجعتهم عنكم.
قال: وسار القوم من ليلتهم تلك إلى أن أصبحوا [و] أشرفوا على قبر الحسين بن علي رضي الله عنهما، فلما عاينوه رفعوا أصواتهم بالبكاء والنحيب، ثم إنهم رموا أنفسهم عن دوابهم وجعلوا يقولون: اللهم! إنا خذلنا ابن بنت نبينا وقد أسأنا وأخطأنا، فاغفر لنا ما قد مضى من ذنوبنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم ارحم الحسين الشهيد ابن الشهيد! وارحم إخواننا الذين حصنوا أنفسهم بالشهادة، اللهم! إن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
قال: ثم تقدم رجل من خيار أهل الكوفة يقال له وهب بن زمعة الجعفي حتى وقف على القبر باكيا، ثم قال: والله لقد جعله (4) الأعداء للسيل عرضا وللسباع مطعما! فلله حسين ولله يوم حسين! لقد غادروا منه يوم وافوه ذا وفاء وصبر وعفاف وبأس وشدة وأمانة ونجدة ابن أول المؤمنين وابن بنت نبي رب العالمين، قلت حماته وكثرت عداته، فويل للقاتل، وملامة للخاذل! إن الله تبارك وتعالى لم يجعل للقاتل حجة ولا للخاذل معذرة، إلا أن يناصح الله في التوبة فيجاهد الفاسقين، فعسى الله عند ذلك يقبل التوبة ويقيل العثرة، قال: ثم أنشأ يقول:

(1) عن الطبري: وبالأصل: أن الدنيا تجارا والآخرة تجازى.
(2) سنة خمس وستين للهجرة (الطبري 5 / 588).
(3) عن الطبري، وبالأصل: " أفسى ".
(4) بالأصل: جعلوه.
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ابتداء أخبار الأزارقة 177
2 ذكر اجتماع أهل البصرة عند الأمير الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة واتفاقهم على المهلب بن أبي صفرة 181
3 أول وقعة كانت للأزارقة مع المهلب بن أبي صفرة 185
4 وقعتهم الثانية 186
5 ذكر كتاب المهلب بن أبي صفرة إلى أهل البصرة بالسلامة والبشرى وما قتل فيها من الأزارقة 189
6 ذكر خطبة قطري بن الفجاءة 191
7 الوقعة الثالثة 192
8 ذكر الخطبة المهلب قبل الوقعة 193
9 الوقعة الرابعة 194
10 الوقعة الخامسة 195
11 الوقعة السادسة 196
12 ذكر حمزة بن عبد الله بن الزبير وولايته بالبصرة 197
13 ذكر كتاب مصعب بن الزبير إلى المهلب بن أبي صفرة 198
14 ذكر عزل المهلب عن حرب الأزارقة وتولية عمر بن عبيد الله بن معمر التميمي حرب الأزارقة 199
15 ابتداء أخبار عين الوردة ثم نرجع بعد ذلك إلى أخبار الأزارقة 203
16 ذكر مفارقة المختار بن أبي عبيد عبد الله بن الزبير وخروجه عليه 206
17 ذكر خروج سليمان بن صرد وأصحابه إلى قتال أهل الشام 209
18 ذكر كتاب أمير الكوفة إلى سليمان بن صرد وأصحابه 216
19 ذكر سليمان بن صرد جواب كتاب عبد الله بن يزيد 217
20 ذكر حبس المختار بالكوفة 217
21 ثم رجعنا إلى أخبار سليمان بن صرد وأصحابه 220
22 ابتداء خروج المختار بن أبي عبيد وما كان منه 225
23 ذكر خروج الشيعة إلى محمد ابن الحنيفة يسألونه عن المختار 227
24 ذكر بيعة إبراهيم بن الأشتر للمختار بن أبي عبيد 229
25 ذكر وقعة خروج المختار 232
26 ذكر غلبة المختار علي الكوفة وبيعة الناس له بها 239
27 ذكر كلام المختار على المنبر 240
28 ذكر محمد بن بن الأشعث وقدومه على المختار 242
29 ذكر من قتله المختار بالكوفة من قتلة الحسين بن علي رضي الله عنهما وممن شارك في دمه 244
30 ذكر مقتل عمر بن سعد وابنه حفص 245
31 ذكر ما جرى بين محمد ابن الحنيفية وعبد الله بن الزبير وما كان في أمر البيعة من ابن الزبير 250
32 ثم رجعنا إلى حديث المختار 254
33 ابتداء مسير عبيد الله بن زياد إلى العراق ومقتله 255
34 ذكر مسير يزيد بن أنس إلى محاربة عبيد الله بن زياد وهي الوقعة الأولى 257
35 ذكر خروج أهل الكوفة على المختار وغدرهم به ومحاربتهم إياه 259
36 ذكر وقعة جبانة السبيع 262
37 ذكر القوم الذين عرضوا على المختار فقتلهم صبرا 263
38 خبر سراقة بن مرداس البارقي 264
39 ذكر مقتل الشمر بن ذي الجوشن 265
40 ثم رجعنا إلى الحديث الأول وخبر عبيد الله بن زياد 267
41 ابتداء خبر عبيد الله بن الحر الجعفي 269
42 ثم رجعنا إلى خبر إبراهيم بن الأشتر وعبيد الله بن زياد 277
43 خبر عمير بن الحباب السلمي 277
44 ابتداء الوقعة ومن قتل فيها 278
45 ذكر الكتاب إلى محمد بن الحنيفية رضي الله عنه 283
46 ابتداء مسير معصب من البصرة إلى الكوفة ومقتل المختار رحمه الله 284
47 ذكر محاصرة المختار في القصر إلى وقت مقتله رحمه الله 289
48 ذكر كتاب مصعب بن الزبير إلى إبراهيم بن الأشتر رحمه الله 294
49 ثم رجعنا إلى أخبار عبيد الله بن الحر وخروجه على مصعب بن الزبير 295
50 ذكر وقعة عبيد الله بن الحر مع المهلب بن أبي صفرة 308
51 ذكر الأسود الذي كان يقطع الطريق واسمه الغداف وكيف قتله عبيد الله بن الحر 311
52 ذكر مسير عبيد الله بن الحر إلى عبد الملك بن مروان بالشام يسأله المعونة على مصعب بن الزبير 313
53 ذكر مقتل عبيد الله بن الحر 314
54 ثم رجعنا إلى أخبار محمد ابن الحنفية رضي الله عنه وعبد الله بن الزبير وما كان بينهم من خلاف أحدهم على صاحبه 316
55 ذكر خطبة محمد ابن حنفية رضي الله عنه وكلامه لأصحابه 317
56 ذكر كتاب عبد الملك بن مروان إلى عباس مجيبا له عما كتب له إليه 319
57 ذكر كتاب عبد الملك بن مروان إلى محمد ابن حنفية من دمشق وجوابه إياه 320
58 ذكر ما جرى بين عبد الله بن عباس وابن الزبير في أمر محمد ابن الحنفية 323
59 ذكر ما جرى بين ابن عباس وابن الزبير أيضا من كلام قبيح 324
60 ذكر ابتداء فتنة البصرة وشغب أهلها وما كان بينهم من الحرب والمصيبة 326
61 ذكر مسير عبد الملك بن مروان إلى العراق ومقتل مصعب بن الزبير وابنه عيسى وإبراهيم بن الأشتر والحرب العظيم الذي كانت بينهم 330
62 ذكر زفر بن الحارث الطائي وعبد الملك بن مروان ونزوله عليه ومحاربته له 331
63 ذكر الوقعة بدير الجاثليق 333
64 ذكر كلام الشعبي بين يدي عبد الملك بن مروان 336
65 ذكر ميسر الحجاج بن يوسف الثقفي عليه ما يستحقه إلى الحجاز ومقتل عبد الله بن الزبير 337
66 ذكر محمد ابن الحنفية رضي الله عنه وعبد الملك بن مروان والحجاج بن يوسف 344
67 ذكر كتاب محمد ابن الحنفية إلى عبد الملك بن مروان 345
68 ذكر ملك عبد الملك بن مروان وأخباره وما كان منه بعد أن استوسقت له الأمور 348
69 ذكر بكير بن وشاح التميمي وأمية بن عبد الله بن خالد وبحير بن الورقاء 349
70 ذكر الجزيرة وأرمينية وأذربيجان وما كان بها من الحروب 351
71 ثم رجعنا إلى خبر الأزارقة 354
72 ذكر ولاية بشر بن مروان العراقين 363