بالعراق أميرا كان أعنى بأمر الرعية من مصعب بن الزبير، كان يشتد في موضع الشدة ويلين في موضع اللين، وكان يعطي الجند في السنة عطاءين: عطاء في الشتاء، وعطاء في الصيف.
قال: وكبر على عبد الملك بن مروان مكان عبد الله بن الزبير بالحجاز ومكان أخيه مصعب بن الزبير بالعراقين، وكان عبد الملك يخرج في كل سنة من دمشق حتى يأتي موضعا يقال له وادي بطنان من وادي قنسرين فيعسكر هنالك، فإذا جاء الشتاء واشتد البرد انصرفوا جميعا، عبد الملك إلى الشام ومصعب إلى العراق (1).
قال: ثم إن مصعب بن الزبير خرج من البصرة كما كان يخرج وخلف عليها عاملا يقال له عبد الله بن عبيد المخزومي (2) وأقبل إلى الكوفة فنزلها، وكتب عبد الملك بن مروان إلى شيعته بالبصرة يأمرهم أن يثوروا بها وأن يأخذوا إن قدروا على ذلك. قال: وكان أهل البصرة يومئذ إنما هم صنفين، زبيريون ومروانيون، فتحركت شيعة بني مروان بالبصرة فهاجوا بها يأخذونها. وبلغ ذلك مصعب بن الزبير وهو يومئذ بالكوفة فدعا برجل يقال له زحر بن قيس الجعفي، وضم إليه ألف فارس وأمره بالمسير إلى البصرة، وأتبعه برجل يقال له قطن (3) بن عبد الله الحارثي في ألف فارس. قال: وثارت شيعة عبد الملك بن مروان وشيعة آل الزبير، فاقتتلوا في موضع يقال له المربد (4)، ووقعت الهزيمة على المروانيين وأخذتهم سيوف آل الزبير حتى بلغوا بهم إلى آخر المربد، قال: وأسر رجل من شيعة آل مروان يقال له مالك بن مسمع الجحدري (5) وكان من سادات البصرة، وفي ذلك يقول بعض شعراء أهل البصرة حيث يقول شعرا. قال: ثم أتى بمالك بن مسمع هذا حتى وقف بين يدي عامل البصرة عبد الله بن عبيد المخزومي خليفة مصعب بن الزبير، فلما نظر إليه قال: عدو الله! وأنت أيضا من شيعة بني مروان ونحن لا نعلم، وقد بلغ من قدرك ما تؤلب على آل الزبير، يا أعور العين! يا أعمى القلب! ألست الذي يقول فيك