قال: أبدأ بالملك ابن الملك، الذي سن هذا.
قال: فنزل عن سريره ورفع القصار الكذين فضرب أصل قفاه، فسقط على وجهه.
فقال الملك: ليت شعري، أي الضربات هذه! والله لئن كانت الهينة ثم جاءت الوسطى والشديدة لأموتن، فنظر إلى الحرس وقال: أولاد الزنا تزعمون أنه لم يصل وأنا والله رأيته حيث صلى، خلوا سبيله واهدموا الغريين.
قال: فضحك القصار حتى جعل يفحص برجله من كثرة الضحك.
قلت أنا: فالذي يقع لي ويغلب على ظني: أن المنذر لما صنع الغريين ظاهر الكوفة سن تلك السنة ولم يشرط قضاء الحوائج الثلاثة التي كان يشرطها ملك مصر، والله أعلم.
وأن الغريين بظاهر الكوفة، بناهما المنذر بن امرئ القيس بن ماء السماء، وكان السبب في ذلك: أنه كان له نديمان من بني أسد يقال لأحدهما خالد بن نضلة والآخر عمرو بن مسعود فمثلا، فراجعا الملك ليلة في بعض كلامه، فأمر وهو سكران، فحفر لهما حفيرتان في ظهر الكوفة ودفنهما حيين، فلما أصبح استدعاهما فأخبر بالذي أمضاه فيهما، فغمه ذلك وقصد حفرتهما، وأمر ببناء طربالين عليهما وهما صومعتان.
فقال المنذر: ما أنا بملك إن خالف الناس أمري، لا يمر أحد من وفود العرب إلا بينهما.
وجعل لهما في السنة يوم بؤس ويوم نعيم، يذبح في يوم بؤسه كل من يلقاه ويغري بدمه الطربالين، فإن رفعت له الوحش طلبتها الخيل، وإن رفع طائر أرسل عليه الجوارح، حتى يذبح ما يعن ويطليان بدمه.
ولبث بذلك برهة من دهره، وسمى أحد اليومين: يوم البؤس، وهو اليوم الذي يقتل فيه ما ظهر له من إنسان وغيره، وسمى الآخر: يوم النعيم، يحسن فيه إلى كل من يلقى من الناس ويحملهم ويخلع عليهم، فخرج يوما من أيام بؤسه إذ طلع عليه عبيد بن الأبرص الأسدي الشاعر، وقد جاء ممتدحا، فلما نظر إليه قال: هلا كان الذبح لغيرك يا عبيد.
فقال عبيد: أتتك بحائن رجلاه، فأرسلها مثلا.