هي الخمر بالهزل تكنى الطلا * كما لذئب يكنى أبا جعده فقال المنذر: يا عبيد لابد من الموت، وقد علمت أن النعمان ابني لو عرض لي يوم بؤسي لم أجد بدا من أن أذبحه، فأما إن كانت لك وكنت لها، فاختر إحدى ثلاث خلال: (إن شئت فصدتك من الأكحل) (1)، وإن شئت من الأبجل، وإن شئت من الوريد.
فقال عبيد: أبيت اللعن، ثلاث خلال كساحيات وآردها شر وارد وحاديها شر حاد ومعاديها شر معاد، فلا خير فيها لمرتاد، إن كنت لا محالة قاتلي فاسقني الخمر حتى إذا ماتت لها مفاصلي وذهلت منها ذواهلي فشأنك وما تريد من مقاتلي.
فاستدعى له المنذر الخمر فشرب، فلما أخذت منه وطابت نفسه، وقدمه المنذر أنشأ يقول:
وخيرني ذو البؤس في يوم بؤسه * خلالا أرى في كلها الموت قد برق كما خيرت عاد من الدهر مرة * سحائب ما فيها لذي خيرة أنق سحائب ريح لم توكل ببلدة * فتتركها إلا كما ليلة الطلق ثم أمر به المنذر ففصد حتى نزف دمه، فلما مات غرى بدمه الغريين.
فلم يزل على ذلك حتى مر به في بعض أيام البؤس رجل من طيء يقال له:
حنظلة، فقرب ليقتل.
فقال: أبيت اللعن، إني أتيتك زائرا ولأهلي من بحرك مائرا، فلا تجعل ميرتهم ما تورده عليهم من قتلي.
قال له المنذر: لابد من قتلك، فسل حاجتك تقض لك قبل موتك.
فقال: تؤجلني سنة أرجع فيها إلى أهلي فأحكم فيهم بما أريد، ثم أسير إليك فينفذ في أمرك.
فقال له المنذر: ومن يكفلك أنك تعود؟
فنظر حنظلة في وجوه جلسائه، فعرف شريك بن عمرو بن شراحيل الشيباني فقال:
يا شريك يا بن عمرو * هل من الموت محاله