وأقبل خالد بالناس فرأوا عكاشة وثابتا قتيلين، فخرج لذلك المسلمون، وانصرف بهم خالد نحو طئ، فقالت له طئ نحن نكفيك قيسا، فإن بني أسد حلفاؤنا. فقال: قاتلوا أي الطائفتين شئتم. فقال عدي بن حاتم: لو نزل هذا على الذين (هم) أسرتي الأدنى فالأدنى لجاهدتهم (1) عليه، والله لا أمتنع عن جهاد بني أسد لحلفهم. فقال له خالد. إن جهاد الفريقين جهاد، لا تخالف رأي أصحابك وامض بهم إلى القوم الذين هم لقتالهم أنشط، ثم تعبي لقتالهم، ثم سار حتى التقيا على بزاخة، وبنو عامر قريبا يتربصون على من تكون الدائرة، قال: فاقتتل الناس على بزاخة.
وكان عيينة بن حصن مع طليحة في سبعمائة من بني فزارة، فقاتلوا قتالا شديدا وطليحة متلفف في كسائه يتنبأ لهم، فلما اشتدت الحرب كر عيينة على طليحة وقال له هل جاءك جبرائيل بعد؟ قال: لا، فرجع فقاتل، ثم كر على طليحة فقال له: لا أبا لك! أجاءك جبرائيل؟ قال لا. فقال عيينة حتى متي؟ قد والله بلغ منا! ثم رجع فقاتل قتالا شديدا ثم كر على طليحة فقال: هل جاءك جبرائيل؟ قال نعم. قال: فماذا قال لك؟ قال: قال لي: إن رحا كرحاه، وحديثا لا تنساه. فقال عيينة قد علم الله أنه سيكون حديث لا تنساه، انصرفوا يا بني فزارة فإنه كذاب، فانصرفوا وانهزم الناس.
وكان طليحة قد أعد فرسه وراحلته لامرأته النوار، فلما غشوه ركب فرسه وحمل امرأته ثم نجا بها وقال: يا معشر فزارة من استطاع أن يفعل هكذا وينجو بامرأته فليفعل. ثم انهزم فلحق بالشام، ثم نزل على كلب فأسلم حين بلغه أن أسدا وغطفان قد أسلموا، ولم يزل مقيما في كلب حتى مات أبو بكر.
وكان خرج معتمرا (في أمارة أبي بكر) ومر بجنبات المدينة، فقيل لأبي بكر: هذا طليحة! فقال: مال أصنع به؟ قد أسلم! ثم أتي عمر فبايعه حين استخلف. فقال له: أنت قاتل عكاشة وثابت؟ والله لا أحبك أبدا! فقال:
يا أمير المؤمنين ما يهمك من رجلي أكرمهم الله بيدي ولم يهني بأيديهما!