الفرس أفدح قتل، وأسر، وسبا، وخرب المدائن، فبعث كسرى بعسكر إلى الموصل، وكتب يستدعي فرخان شهر براز لمحاربة هرقل فاتفق في أثناء ذلك ينكر كسرى أبرويز على فرخان شهر براز وعزمه على قتله، فلما بلغه ذلك انحرف عنه إلى هرقل، وكتب إليه بدخوله في حملته وسار إليه حتى لقيه إلى نصيبين، فقوي به، ومضى يريد كسرى وأوقع بجنوده حتى قاربا المدائن فأخذ كسرى أبرويز في الحيلة على هرقل ومكر به حتى أوقع بينه وبين فرخان شهر براز، ورجع إلى بلاده.
وفي هذه الحادثة أنزل الله - تعالى -: (آلم * غلبت الروم * في أدني الأرض) يعني أذرعات وبصرى، فإنها أدنى أرض الروم إلى الفرس، وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين، فساء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ظفر الفرس بالروم لأنهم أهل الكتاب وفرح المشركون بذلك لأن المجوس إخوانهم في الشرك بالله، فلما نزلت هذه الآية راهن أبو بكر الصديق - رضي الله تبارك وتعالى عنه - أبي بن خلف على مائة بعير بأن الظفر يكون للروم بعد تسع سنين، فغلب أبو بكر أبي بن خلف، وجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بظفر الروم بفارس يوم الحديبية.